وَخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّهُمَا اسْمَانِ أَحَدُهُمَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْآخَرِ فَيَحْصُلُ الِاتِّفَاقُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَلْفِ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: طَالِقٌ وَطَالِقٌ، وَفِي قَوْلِهِ: فُلَانَةُ وَفُلَانَةُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الدَّعْوَى مَعَ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّ الِاتِّفَاقَ هُنَاكَ فِي اللَّفْظِ لَيْسَ بِشَرْطٍ.
فَأَمَّا بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ الْمُوَافَقَةُ فِي اللَّفْظِ شَرْطٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْغَصْبَ، أَوْ الْقَتْلَ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْإِقْرَارِ بِهِ تُقْبَلُ، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِالْغَصْبِ، وَالْآخَرُ بِإِقْرَارٍ بِهِ لَا تُقْبَلُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَعْتَمِدُ اللَّفْظَ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مَا لَمْ يَقُلْ: أَشْهَدُ، وَاَلَّذِي يُبْطِلُ مَذْهَبَهُمَا مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الرُّجُوعِ، لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِتَطْلِيقَةٍ، وَشَاهِدَانِ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ، ثُمَّ رَجَعُوا، كَانَ ضَمَانُ نِصْفِ الصَّدَاقِ عَلَى شَاهِدَيْ الثَّلَاثِ دُونَ شَاهِدَيْ الْوَاحِدَةِ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ مَا قَالَا أَنَّ الْوَاحِدَةَ تُوجَدُ فِي الثَّلَاثِ؛ لَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا.
وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ، وَأَنَّهَا قَدْ دَخَلَتْ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا إنْ كَلَّمَتْ فُلَانًا، وَأَنَّهَا قَدْ كَلَّمَتْ فُلَانًا فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ بِغَيْرِ مَا أَوْقَعَ بِهِ صَاحِبُهُ، وَإِنَّمَا شَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِتَعْلِيقٍ آخَرَ مِنْ الزَّوْجِ، وَلَيْسَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ، فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي الثَّلَاثَ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ؛ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ لَفْظًا، وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَلَفَا فِي أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ كَالْخَلِيَّةِ، وَالْبَرِيَّةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ عِنْدَنَا تَعْمَلُ بِحَقَائِقِ مُوجِبَاتِهَا فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا شَاهِدًا بِالتَّخْلِيَةِ، وَالْآخَرُ بِالْبَرَاءَةِ، وَكَذَلِكَ الِاخْتِلَافُ فِي مَقَادِيرِ الشُّرُوطِ الَّتِي عَلَّقَ بِهَا الطَّلَاقَ، وَفِي التَّعْلِيقِ، وَالْإِرْسَالِ، وَفِي مَقَادِيرِ الْجُعْلِ وَصِفَاتِهَا، وَفِي اشْتِرَاطِهَا وَحَذْفِهَا، كُلُّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ لَفْظًا وَمَعْنًى فَيَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَبِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ لَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي مِنْ الْقَضَاءِ، وَإِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ: إنْ دَخَلَتْ فُلَانَةُ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ مَعَهَا، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: إنْ دَخَلَتْ فُلَانَةُ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ وَحْدَهَا، وَقَدْ دَخَلَتْ فُلَانَةُ فَهِيَ طَالِقٌ وَحْدَهَا؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ دُخُولُهَا، وَاتَّفَقَا أَنَّ الْجَزَاءَ طَلَاقُهَا، إنَّمَا تَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِزِيَادَةِ جَزَاءٍ مَعْطُوفٍ عَلَى طَلَاقِهَا، فَيَثْبُتُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَلَا يَثْبُتُ مَا تَفَرَّدَ بِهِ أَحَدُهُمَا.
(قَالَ): وَتَجُوزُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى طَلَاقِ الْمَرْأَةِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي النِّكَاحِ، وَفِي الْكِتَابِ قَالَ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي النِّكَاحِ. (قَالَ): وَالطَّلَاقُ عِنْدَنَا بِمَنْزِلَتِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى إذَا شَهِدَ بِالطَّلَاقِ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ، أَوْ شَهِدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute