يَذْهَبَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، فَلَهَا الْمِيرَاثُ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بَاقِيَةٌ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ، وَكَذَلِكَ إنْ اغْتَسَلَتْ وَبَقِيَ عُضْوٌ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا لَا تَنْقَضِي مَعَ بَقَاءِ عُضْوٍ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي بَابِ الرَّجْعَةِ.
(قَالَ): وَإِذَا بَقِيَ الزَّوْجُ فِي مَرَضِهِ بَعْدَ مَا طَلَّقَهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، ثُمَّ وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَهَا الْمِيرَاثُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي النَّفَقَةِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تَرُدُّ نَفَقَةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهُمَا يَجْعَلَانِ هَذَا مِنْ حَبَلٍ حَادِثٍ مِنْ زَوْجٍ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا حَمْلًا لِأَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ، وَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْمِيرَاثِ يَتَبَيَّنُ بِهَا انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تُجْعَلُ مُعْتَدَّةً إلَى أَنْ وَلَدَتْ، فَلِهَذَا لَا تَرُدُّ شَيْئًا مِنْ النَّفَقَةِ فَكَانَ لَهَا الْمِيرَاثُ.
(قَالَ): وَإِذَا طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ قُتِلَ، أَوْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَرَضِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فَلَهَا الْمِيرَاثُ، وَكَانَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ يَقُولُ: لَا مِيرَاثَ لَهَا؛ لِأَنَّ مَرَضَ الْمَوْتِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ، وَلَمَّا مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ مَرَضَهُ لَمْ يَكُنْ مَرَضَ الْمَوْتِ، وَإِنَّ حَقَّهَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا بِمَالِهِ يَوْمِئِذٍ، فَهُوَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: قَدْ اتَّصَلَ الْمَوْتُ بِمَرَضِهِ حِينَ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ، وَقَدْ يَكُونُ لِلْمَوْتِ سَبَبَانِ فَلَا يُتَبَيَّنُ بِهَذَا أَنَّ مَرَضَهُ لَمْ يَكُنْ مَرَضَ الْمَوْتِ، وَأَنَّ حَقَّهَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي مَاله، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إرْثَهَا مِنْهُ بِحُكْمِ الْفِرَارِ، وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ هُنَا. .
(قَالَ): وَإِذَا قُرِّبَ الرَّجُلُ؛ لِيُقْتَلَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَلَهَا الْمِيرَاثُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرِيضَ مُشْرِفٌ عَلَى الْهَلَاكِ، فَكُلُّ سَبَبٍ يَعْتَرِضُ مِمَّا يَكُونُ الْغَالِبُ فِيهِ الْهَلَاكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ، وَمَا يَكُونُ الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةَ، وَقَدْ يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ أَيْضًا فَلَا يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ، فَاَلَّذِي قُرِّبَ؛ لِيُقْتَلَ فِي قِصَاصٍ، أَوْ رَجْمٍ فَالظَّاهِرُ فِيهِ هُوَ الْهَلَاكُ، وَالسَّلَامَةُ بَعْدَ هَذَا نَادِرٌ، فَأَمَّا الْمَحْبُوسُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ؛ لِيُقْتَلَ، فَالْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةُ، فَإِنَّهُ يَتَخَلَّصُ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْحِيلَةِ، فَإِذَا طَلَّقَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَمْ يَكُنْ فَارًّا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مُوَافِقًا لِلْعَدُوِّ، فَمَا دَامَ فِي الصَّفِّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ، فَإِذَا خَرَجَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ يُبَارِزُ قِرْنَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُشْرِفًا عَلَى الْهَلَاكِ، وَالْمَحْصُورُ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ حَالِهِ السَّلَامَةُ، فَإِنْ خَرَجَ يُقَاتِلُ، فَهُوَ كَالْمَرِيضِ، وَرَاكِبُ السَّفِينَةِ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ فَإِنْ تَلَاطَمَتْ الْأَمْوَاجُ، وَخِيفَ الْغَرَقُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
وَالْمَرْأَةُ الْحَامِلُ كَالصَّحِيحَةِ، فَإِنْ أَخَذَهَا الطَّلْقُ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضَةِ
فَإِذَا قَتَلَتْهُ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ مِيرَاثِهَا بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ كَبَقَاءِ الْمِيرَاثِ بِبَقَاءِ النِّكَاحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute