للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْإِجَارَةُ بِدُونِهِ، وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ: أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا، وَأَنْتَ حُرٌّ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ هُنَاكَ غَيْرُ مُفِيدٍ شَرْعًا إلَّا بِآخِرِهِ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِهِ تَعْلِيقًا لِلْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْمَالِ، وَهُنَا أَوَّلُ الْكَلَامِ إنْ صَدَرَ مِنْ الزَّوْجِ، بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَعَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ كَانَ إيقَاعًا مُفِيدًا دُونَ آخِرِهِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى الْحَالِ، وَإِنْ صَدَرَ مِنْهَا فَهُوَ الْتِمَاسٌ مُفِيدٌ أَيْضًا؛ فَلِهَذَا لَا يُحْمَلُ عَلَى وَاوِ الْحَالِ، بَلْ هُوَ بِمَعْنَى الْعَطْفِ، فَمَعْنَاهُ وَلَك أَلْفُ دِرْهَمٍ فِي بَيْتِك، أَوْ بِمَعْنَى الِابْتِدَاءِ، فَيَكُونُ وَعْدًا مِنْهَا إيَّاهُ بِالْمَالِ، وَالْمَوَاعِيدُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ؛ وَلِأَنَّ أَدْنَى مَا يَكُونُ فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ حَرْفُ الْوَاوِ مُحْتَمِلًا لِجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا، فَالْمَالُ بِالشَّكِّ لَا يَجِبُ. .

(قَالَ): وَإِذَا قَالَتْ: طَلِّقْنِي، وَلَك أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ الَّتِي سَمَّيْتِ.

فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى الطَّلَاقُ وَاقِعٌ، وَالْمَالُ عَلَيْهَا قَبِلَتْ، أَوْ لَمْ تَقْبَلْ؛ لِأَنَّهَا بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ مُلْتَزِمَةٌ لِلْمَالِ عِنْدَهُمَا فَبَقِيَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ لَمْ تَكُنْ مُلْتَزِمَةً لِلْمَالِ، فَبَقِيَ إيقَاعُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا بِمَالٍ ابْتِدَاءً، فَإِنْ قَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَلَزِمَهَا الْمَالُ، وَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ لَا يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَنَّ لَك عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَزِمَهَا الْمَالُ؛ لِأَنَّهَا صَرَّحَتْ بِحَرْفِ عَلَى، وَهُوَ لِالْتِزَامِ الْمَالِ، وَلَوْ كَانَ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ قَبْلَ هَذَا، فَقَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَنَّ لَك أَلْفًا فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً لَزِمَهَا الْأَلْفُ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ بِإِزَاءِ مَا يَصِحُّ فِيهِ الْتِمَاسُهَا مِنْ الزَّوْجِ، وَذَلِكَ إيقَاعُ مَا لَيْسَ بِوَاقِعٍ، وَهِيَ التَّطْلِيقَةُ الثَّالِثَةُ، فَأَمَّا إيقَاعُ مَا هُوَ وَاقِعٌ لَا يَتَحَقَّقُ، فَكَانَ تَكَلُّمُهَا بِهِ لَغْوًا غَيْرَ مُعْتَدٍّ بِهِ؛ وَلِأَنَّهَا الْتَزَمَتْ الْمَالَ؛ لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ الْغَلِيظَةِ لَهَا، وَقَدْ تَمَّ ذَلِكَ بِإِيقَاعِ الثَّالِثَةِ.

(قَالَ): وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ: طَلَّقْتُك أَمْسِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ تَقْبَلِي، وَقَالَتْ: قَدْ قَبِلْتُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الطَّلَاقِ بِمَالٍ تَعْلِيقٌ بِقَبُولِهَا، فَالزَّوْجُ أَقَرَّ بِالتَّعْلِيقِ وَأَنْكَرَ وُجُودَ الشَّرْطِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَمَا لَوْ عَلَّقَ بِدُخُولِهَا، فَقَالَتْ قَدْ دَخَلْت وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ ذَلِكَ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ إذْ قَالَ: قَدْ بِعْتُ مِنْك هَذَا الْعَبْدَ أَمْسِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ تَقْبَلْ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: قَدْ قَبِلْتُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ، فَإِقْرَارُهُ بِالْبَيْعِ يَكُونُ إقْرَارًا بِقَبُولِ الْمُشْتَرِي، فَلَا يَعْمَلُ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَمَّا إيجَابُ الطَّلَاقِ بِمَالٍ يَكُونُ تَصَرُّفًا عِنْدَ الْإِيقَاعِ، وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ؛ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِقِيَامِهِ قَبْلَ قَبُولِهَا، فَلَمْ يَكُنْ هُوَ مُقِرًّا بِالْإِيقَاعِ أَصْلًا فَجَعَلْنَا الْقَوْلَ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ لِهَذَا.

(قَالَ): وَإِذَا قَالَ لَهَا: قَدْ طَلَّقْتُك وَاحِدَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَبِلَتْ، وَقَالَتْ هِيَ: إنَّمَا سَأَلْتُك أَنْ تُطَلِّقَنِي ثَلَاثًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَإِنَّمَا طَلَّقْتَنِي وَاحِدَةً، فَإِنَّمَا لَك ثُلُثُ الْأَلْفِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>