الضَّرَرِ عَنْ الزَّوْجِ، وَذَلِكَ يَتِمُّ إذَا رَجَعَ بِمَا سَاقَ إلَيْهَا، وَلَوْ كَانَتْ وَهَبَتْ جَمِيعَ الْمَهْرِ لِزَوْجِهَا لَمْ يَرْجِعْ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِحُكْمِ قَبْضِهَا، وَلَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا، وَالرُّجُوعُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الزَّوْجِ، وَالضَّرَرُ مُنْدَفِعٌ هُنَا حِينَ سُلِّمَ لَهُ جَمِيعُ الْمَهْرِ بِالْهِبَةِ.
(قَالَ): وَإِذَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَمَاتَ قَبْل أَنْ تُسَلِّمَهُ فَعَلَيْهَا قِيمَتُهُ لَهُ كَمَا فِي الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلتَّسْلِيمِ لَمْ يَنْفَسِخْ بِهَلَاكِهِ، فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَبْدَ كَانَ مَاتَ قَبْلَ الْخُلْعِ، فَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالْمَهْرِ الَّذِي أَخَذَتْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا غَرَّتْهُ بِتَسْمِيَةِ الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ حَيًّا فَاسْتُحِقَّ، فَعَلَيْهَا قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ مَعَ بَقَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلتَّسْلِيمِ لَهُ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا، فَعَلَيْهَا الْمَهْرُ الَّذِي أَخَذَتْ مِنْهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَيْهَا قِيمَتُهُ أَنْ لَوْ كَانَ عَبْدًا وَهَذَا وَالصَّدَاقُ سَوَاءٌ.
(قَالَ): وَإِنْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ بِمَا لَا يَحِلُّ كَالْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالْمَيْتَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَتَمَكَّنُ الْغُرُورُ مِنْهَا بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ، فَصَارَتْ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ، وُجُودُهَا كَعَدَمِهَا، وَبِهَذَا فَارَقَ الصَّدَاقَ، فَإِنَّ تَسْمِيَةَ الْخَمْرِ هُنَاكَ، وُجُودُهَا كَعَدَمِهَا، وَلَكِنْ بِدُونِ التَّسْمِيَةِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ هُنَاكَ، وَلَا يَجِبُ هُنَا شَيْءٌ، وَإِنْ غَرَّتْهُ، فَقَالَتْ: أَخْتَلِعُ مِنْك بِهَذَا الْخَلِّ، فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ، فَعَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ الْمَهْرَ الْمَأْخُوذَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا مِثْلُ ذَلِكَ الْكَيْلِ مِنْ خَلٍّ وَسَطٍ، وَهَذَا وَالصَّدَاقُ سَوَاءٌ.
(قَالَ): وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ بِمَالٍ مُؤَجَّلٍ، فَهُوَ جَائِزٌ إذَا كَانَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَيَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْأَجَلِ الْمَعْلُومِ فِي بَدَلِهِ كَسَائِرِ الْمُعَوَّضَاتِ، وَإِنْ كَانَ الْأَجَلُ مَجْهُولًا جَهَالَةً مُسْتَتِمَّةً مِثْلُ الْمَيْسَرَةِ، أَوْ مَوْتِ فُلَانٍ، أَوْ قُدُومِ فُلَانٍ، فَالْمَالُ عَلَيْهَا حَالٌّ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ اسْمٌ لِزَمَانٍ مُنْتَظَرٍ، وَلَمْ يَصِرْ مَذْكُورًا بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَتَّصِلَ مَوْتُ فُلَانٍ، أَوْ قُدُومُهُ، وَالْمَيْسَرَةُ بِالْعَقْدِ، فَبَقِيَ هَذَا شَرْطًا فَاسِدًا، وَالْخُلْعُ لَا يَبْطُلُ بِهِ، فَكَانَ الْمَالُ حَالًّا عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ إلَى الْإِعْطَاءِ، أَوْ إلَى الدِّيَاسِ، أَوْ النَّيْرُوزِ، أَوْ الْمِهْرَجَانِ فَالْمَالُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُمَا ذَكَرَا فِي الْعَقْدِ مَا هُوَ أَجَلٌ، وَهُوَ الزَّمَانُ الَّذِي هُوَ مُنْتَظَرٌ، فَإِنَّ وَقْتَ الشِّتَاءِ لَيْسَ بِزَمَانِ الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ بِيَقِينٍ، وَلَكِنْ فِي آخِرِهِ بَعْضُ الْجَهَالَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَدْ يَتَقَدَّمُ إذَا تَعَجَّلَ الْحَرَّ، وَيَتَأَخَّرُ إذَا تَطَاوَلَ الْبَرْدُ، وَلَكِنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْأَجَلِ خُصُوصًا فِي الْعَقْدِ الْمَبْنِيِّ عَلَى التَّوَسُّعِ كَالْكَفَالَةِ، وَالْخُلْعُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّوَسُّعِ فَتَثْبُتُ فِيهِ هَذِهِ الْآجَالِ، فَإِنْ ذَهَبَتْ الْغَلَّةُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ، فَلَمْ يَكُنْ حَصَادٌ وَلَا جَزَازٌ، فَالْأَجَلُ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute