الَّذِي يَكُونُ فِيهِ فِي مِثْلِ الْبَلَدِ، وَكَذَلِكَ الْعَطَاءُ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْعَطَاءِ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْكِنَايَةِ عَنْ وَقْتِهِ، فَلَا مُعْتَبَرَ بِوُجُودِ حَقِيقَتِهِ، وَوَقْتُهُ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، فَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَجَبَ تَسْلِيمُ الْمَالِ، وَبَدَلُ الْخُلْعِ إذَا كَانَ دَيْنًا، فَهُوَ فِي حُكْمِ أَخْذِ الرَّهْنِ، وَالْكَفِيلِ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الصَّدَاقِ حَتَّى إذَا هَلَكَ هَلَكَ بِمَا فِيهِ، وَكَانَ هُوَ أَمِينًا فِي الْفَضْلِ.
(قَالَ): وَإِنْ خَلَعَهَا عَلَى وَصِيفٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، فَإِنْ جَاءَتْ بِقِيمَتِهِ أُجْبِرَ عَلَى قَبُولِهِ كَمَا فِي الصَّدَاقِ، وَإِنْ صَالَحَهَا مِنْ الْوَصِيفِ عَلَى دَرَاهِمَ مِمَّا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ، أَوْ الْعُرُوض، أَوْ الْحَيَوَانُ مِنْ غَيْرِ صِفَتِهِ، فَهُوَ جَائِزٌ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ كَمَا فِي الصَّدَاقِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا كَانَ دَيْنًا بِدَيْنٍ، وَذَلِكَ حَرَامٌ.
(قَالَ): وَإِذَا اخْتَلَعَتْ فِي مَرَضِهَا بِمَهْرِهَا الَّذِي كَانَ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا، ثُمَّ مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ، فَلَهُ الْأَقَلُّ مِنْ مِيرَاثِهِ، وَمِنْ الْمَهْرِ إنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهَا مَهْرٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ سِوَى ذَلِكَ، فَلَهُ الْأَقَلُّ مِنْ مِيرَاثِهِ مِنْهَا، وَمِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ مَاتَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَلَهُ الْمَهْرُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَعَتْ فِي مَرَضِهَا، فَبَدَلُ الْخُلْعِ مُعْتَبَرٌ مِنْ ثُلُثِ مَالِهَا عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَاعْتُبِرَ الْخُلْعُ بِالنِّكَاحِ، فَإِنَّ الْمَرِيضَ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِصَدَاقِ مِثْلِهَا اُعْتُبِرَ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَوَائِجِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَرِيضَةُ إذَا اخْتَلَعَتْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَوَائِجِهَا لِتَتَخَلَّصَ بِهِ مِنْ أَذَى الزَّوْجِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْبُضْعُ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ مُتَقَوِّمٌ، وَعِنْدَ الْخُرُوجِ لَا يَتَقَوَّمُ حَتَّى إنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَهُ امْرَأَةً بِمَالِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَالِعَ ابْنَتَهُ مِنْ زَوْجِهَا بِمَالِهَا، وَالْخُلْعُ لَيْسَ مِنْ أُصُولِ حَوَائِجِهَا، فَكَانَ بَدَلُ الْخُلْعِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ مِنْهَا لِلزَّوْجِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ، وَمَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إذَا صَالَحَ فِي مَرَضِهِ عَلَى الدِّيَةِ عِنْدَنَا يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أُصُولِ حَوَائِجِهِ بِخِلَافِ بَدَلِ الْخُلْعِ، وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُعْتَبَرُ هُنَا مِنْ الثُّلُثِ بِخِلَافِ الْخُلْعِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ، فَلَا يُعْتَاضُ عَنْهُ بِالْمَالِ حَقِيقَةً، فَيَكُونُ الْتِزَامُ الْمَالِ بِمَعْنَى الصِّلَةِ الْمُبْتَدَأَةِ، وَالْمَمْلُوكُ بِالنِّكَاحِ مِمَّا يُعْتَاضُ عَنْهُ بِالْمَالِ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ، وَمَا يُسَلَّمُ لِلزَّوْجِ هُنَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهَا، إذَا عَرَفْنَا هَذَا، فَنَقُولُ إذَا مَاتَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَسَبَبُ مِيرَاثِهِ بَاقٍ بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَصْدُهَا بِهَذَا الْخُلْعِ إيصَالَ الْمَنْفَعَةِ الْمَالِيَّةِ إلَى الزَّوْجِ، وَلَكِنَّ هَذِهِ التُّهْمَةَ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِ، فَأَمَّا فِي الْأَقَلِّ، فَلَا تُهْمَةَ؛ فَلِهَذَا كَانَ لَهُ الْأَقَلُّ مِنْ مِيرَاثِهِ وَمِمَّا سَمَّتْ لَهُ، وَإِذَا مَاتَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سَبَبُ التَّوَارُثِ عِنْدَ مَوْتِهَا، فَيَكُونُ لَهُ جَمِيعُ الْمُسَمَّى مِنْ الثُّلُثِ بِمَنْزِلَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute