بَدَأَ بِذِكْرِ الْمَشِيئَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ ثُمَّ إنَّمَا يَقَعُ فِي قَوْلِهِ إنْ شِئْت السَّاعَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ غَدًا إذَا قَالَتْ شِئْت أَنْ أَكُونَ غَدًا طَالِقًا وَإِنْ قَالَتْ شِئْت أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ الْيَوْمَ كَانَتْ هَذِهِ الْمَشِيئَةُ بَاطِلَةً وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ الْيَوْمَ وَلَا غَدًا؛ لِأَنَّهَا شَاءَتْ غَيْرَ مَا جَعَلَهُ الزَّوْجُ مُفَوِّضًا إلَى مَشِيئَتِهَا فَإِنَّهُ جَعَلَ الطَّلَاقَ فِي الْغَدِ مُفَوَّضًا إلَى مَشِيئَتِهَا فَإِذَا شَاءَتْ أَنْ يَقَعَ الْيَوْمَ فَقَدْ اشْتَغَلَتْ بِشَيْءٍ آخَرَ فَكَانَ ذَلِكَ كَقِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ.
(قَالَ) وَلَوْ قَالَ إنْ شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت فَهُمَا مَشِيئَتَانِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْمَجْلِسِ بِقَوْلِهِ إنْ شِئْت وَالْأُخْرَى مُطْلَقَةٌ بِقَوْلِهِ إذَا شِئْت وَلَكِنَّ الْمَشِيئَةَ الْمُطْلَقَةَ مُعَلَّقَةٌ بِالْمَشِيئَةِ الْمُؤَقَّتَةِ فَإِذَا قَالَتْ فِي الْمَجْلِسِ شِئْت أَنْ أَكُونَ طَالِقًا إذَا شِئْت فَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ وَصَارَتْ الْمَشِيئَةُ الْمُطْلَقَةُ مُنَجَّزَةً فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت فَمَتَى شَاءَتْ بَعْدَ هَذَا طَلُقَتْ وَإِنْ لَمْ تَقُلْ شَيْئًا حَتَّى قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ فَلَا مَشِيئَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمَشِيئَةِ الْمُطْلَقَةِ لَمْ يُوجَدْ وَالْمَشِيئَةَ الْمُقَيَّدَةُ بَطَلَتْ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ وَيَسْتَوِي إنْ صَرَّحَ بِذِكْرِ السَّاعَةِ فَقَالَ إنْ شِئْت السَّاعَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت أَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِالسَّاعَةِ وَنَوَاهَا قَالَ لِأَنَّ هَذَا كَلَامٌ لَهُ وَجْهَانِ فِي الْقَضَاءِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ نَوَى مَا دَامَتْ فِي الْمَجْلِسِ فَهُوَ كَمَا نَوَى وَإِنْ نَوَى بَعْدَهُ فَهُوَ كَمَا نَوَى وَمُرَادُهُ أَنَّ كَلِمَةَ إذَا قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى أَنْ وَقَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى مَتَى فَإِنْ جُعِلَتْ بِمَعْنَى أَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ تَكْرَارًا وَإِنْ جُعِلَتْ بِمَعْنَى مَتَى كَانَ تَصْرِيحًا بِالْمَشِيئَةِ الْمُطْلَقَةِ فَيَنْوِي فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَا إذَا قَالَ إذَا شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت وَذَكَرَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ عِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ سَوَاءٌ فَهَذَا كَالْأَوَّلِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمُعْتَبَرُ هُنَا الْمَشِيئَةُ الْمُطْلَقَةُ فَسَوَاءٌ شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ طَلُقَتْ فَإِنَّ الْمَشِيئَةَ الْمُطْلَقَةَ أَعَمُّ فَلَا تَظْهَرُ بَعْدَهَا الْمَشِيئَةُ الْمُؤَقَّتَةُ.
(قَالَ) وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت فَهِيَ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَا مَشِيئَةَ لَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا وَقَعَتْ تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَالْمَشِيئَةُ إلَيْهَا فِي الْمَجْلِسِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ شَاءَتْ الْبَائِنَةُ وَقَدْ نَوَى الزَّوْجُ ذَلِكَ كَانَتْ بَائِنَةً وَإِنْ شَاءَتْ ثَلَاثًا وَقَدْ نَوَى الزَّوْجُ ذَلِكَ كَانَتْ طَالِقًا ثَلَاثًا وَإِنْ شَاءَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً وَقَدْ نَوَى الزَّوْجُ ثَلَاثًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَإِنْ شَاءَتْ ثَلَاثًا وَقَدْ نَوَى الزَّوْجُ وَاحِدَةً بَائِنَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مَا لَمْ تَشَأْ فَإِذَا شَاءَتْ فَالتَّفْرِيعُ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute