للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصَّوْمِ وَلَيْسَ فِي هَذَا تَكْرَارُ الظِّهَارِ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ كَمَا سَكَتَ عَنْ طَلَاقِهَا عَقِيبَ الظِّهَارِ فَقَدْ صَارَ مُمْسِكًا لَهَا فَيَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَلَكِنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: ٣] أَنْ يَأْتِيَ بِضِدِّ مُوجَبِ كَلَامِهِ وَمُوجَبُ كَلَامِهِ التَّحْرِيمُ لَا إزَالَةُ الْمِلْكِ فَاسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ لَا تَكُونُ ضِدَّهُ بَلْ ضِدُّهُ الْعَزْمُ عَلَى الْجِمَاعِ الَّذِي هُوَ اسْتِحْلَالٌ وَبِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ عِنْدَنَا لَا تَتَقَرَّرُ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا حَتَّى لَوْ أَبَانَهَا بَعْدَ هَذَا أَوْ مَاتَتْ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَنَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَعْنَى الْعُقُوبَةِ يَتَرَجَّحُ فِي الْكَفَّارَةِ فَتَجِبُ بِنَفْسِ الظِّهَارِ الَّذِي هُوَ مَحْظُورٌ مَحْضٌ إلَّا أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِهَا بِأَنْ يَصِلَ الطَّلَاقَ بِكَلَامِهِ شَرْعًا فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ تَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَعِنْدَنَا فِي الْكَفَّارَةِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ، وَالْمَحْظُورُ الْمَحْضُ لَا يَكُونُ سَبَبًا لَهَا وَإِنَّمَا سَبَبُهَا مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْعَزْمِ عَلَى الْجِمَاعِ الَّذِي هُوَ إمْسَاكٌ بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى يَصِيرَ السَّبَبُ بِهِ مُتَرَدِّدًا وَسَنُقَرِّرُ هَذَا الْأَصْلَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى

ثُمَّ لَا خِلَافَ أَنَّ هَذِهِ الْكَفَّارَةَ عَلَى التَّرْتِيبِ دُونَ التَّخْيِيرِ فَإِنَّ مَنْ كَانَتْ كَفَّارَتُهُ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الصِّيَامِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٣] فَإِنْ جَامَعَ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَمْ يَعُدْ حَتَّى يُكَفِّرَ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ الْحَرَامَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيمَا صَنَعَ كَفَّارَةٌ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُكَفِّرَ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا يَعُودَ حَتَّى يُكَفِّرَ» وَلَوْ جَامَعَهَا فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ بِالنَّهَارِ نَاسِيًا أَوْ بِاللَّيْلِ عَامِدًا فَعَلَيْهِ اسْتِقْبَالُ الْكَفَّارَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الصَّوْمِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ رَقَبَةٍ ثُمَّ جَامَعَهَا ثُمَّ أَعْتَقَ مَا بَقِيَ لَمْ يَجْزِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الْإِعْتَاقِ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْمَسِيسِ وَإِخْلَاؤُهُ عَنْهُ كَمَا فِي الصَّوْمِ، وَالْعِتْقُ عِنْدَهُ يَتَجَزَّأُ وَهَذَا التَّفْرِيعُ لَا يَجِيءُ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ وَلَمَّا أَعْتَقَ بَعْضَهُ عَتَقَ كُلُّهُ وَإِنْ كَانَتْ كَفَّارَتُهُ بِالْإِطْعَامِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجَامِعَهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ عِنْدَنَا وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّكْفِيرِ بِالْإِطْعَامِ شَرْطُ التَّقْدِيمِ عَلَى الْمَسِيسِ وَلَا مُدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَكِنَّا نَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلَا تَعُدْ حَتَّى تُكَفِّرَ» مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَلِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْإِعْتَاقِ أَوْ الصِّيَامِ فَتَصِيرُ كَفَّارَتُهُ بِذَلِكَ فَلَوْ وَطِئَهَا كَانَ قَدْ مَسَّهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ بِالْعِتْقِ وَذَلِكَ حَرَامٌ إلَّا أَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا ثُمَّ جَامَعَهَا لَا يَلْزَمُهُ اسْتِقْبَالُ الطَّعَامِ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ وَالصِّيَامِ لِأَنَّ شَرْطَ

<<  <  ج: ص:  >  >>