نَظِيرُ الِاسْتِحْسَانِ فِيمَنْ أَضْجَعَ أُضْحِيَّتَهُ لِيَذْبَحَهَا فَأَصَابَتْ السِّكِّينُ عَيْنَ الشَّاةِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ التَّضْحِيَةِ بِهَا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ حُصُولَ هَذَا الْعَيْبِ بِسَبَبِ فِعْلِ التَّضْحِيَةِ.
(قَالَ): وَلَا يُجْزِيهِ الْعِتْقُ بِمَا فِي الْبَطْنِ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ بِمَنْزِلَةِ جُزْءٍ مِنْ الْأُمِّ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ فَلَا يَكُونُ رَقَبَةً مُطْلَقَةً؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ الْمُطْلَقَةَ مَا يَكُونُ نَفْسًا عَلَى حِدَةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ خُصُوصًا فِي حُكْمِ الْعِتْقِ، وَالْجَنِينُ بِمَنْزِلَةِ الْجُزْءِ حَتَّى يَعْتِقَ بِعِتْقِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ كَيَدِهَا وَرِجْلِهَا.
(قَالَ): وَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ يَنْوِي بِهِ الْعِتْقَ عَنْ ظِهَارِهِ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يُجْزِئُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَوَّلِ وَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّحْرِيرُ، وَالشِّرَاءُ غَيْرُ التَّحْرِيرِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ اسْتِجْلَابٌ لِلْمِلْكِ، وَالْعِتْقَ إبْطَالٌ لَهُ، فَكَانَتْ الْمُغَايِرَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْمُضَادَّةِ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ صَارَ مُسْتَحَقًّا لَهُ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ فَلَا تَتَأَدَّى بِهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ يَنْوِي بِهِ الْكَفَّارَةَ، وَهَذَا لِأَنَّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ إنَّمَا يَعْتِقُ بِالسَّبَبِ الَّذِي حَصَلَ الِاسْتِحْقَاقُ بِهِ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ اقْتِرَانُ نِيَّةِ الْكَفَّارَةِ بِذَلِكَ السَّبَبِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْقَرَابَةِ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْعَبْدِ إذَا ادَّعَى سَبَبَهُ يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ: تَوْضِيحُهُ أَنَّ أُمَّ هَذَا الْوَلَدِ اسْتَحَقَّتْ حَقَّ الْعِتْقِ عِنْدَ دُخُولِهَا فِي مِلْكِهِ وَذَلِكَ مَانِعُ إعْتَاقِهَا عَنْ الْكَفَّارَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا: إذَا اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ عَنْ ظِهَارِي لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الظِّهَارِ. فَالِابْنُ الَّذِي اسْتَحَقَّ حَقِيقَةَ الْعِتْقِ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ، أَوْ الْأَبُ أَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزُ إعْتَاقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعِتْقَ مُجَازَاةٌ لِلْأُبُوَّةِ وَمُجَازَاةُ الْأُبُوَّةِ فَرْضٌ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ وَاجِبٌ آخَرُ وَصَرْفُ مَنْفَعَةِ الْكَفَّارَةِ إلَى أَبِيهِ لَا يَجُوزُ كَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ.
(وَحُجَّتُنَا) فِي ذَلِكَ ظَاهِرُ الْآيَةِ فَفِيهَا الْأَمْرُ بِالتَّحْرِيرِ وَهُوَ تَصْيِيرُ شَخْصٍ مَرْقُوقٍ حُرًّا كَالتَّسْوِيدِ تَصْيِيرُ الْمَحَلِّ أَسْوَدَ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ، وَهَذَا لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَنْ يُجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» أَيْ بِالشِّرَاءِ كَمَا يُقَالُ: أَطْعَمَهُ فَأَشْبَعَهُ، وَسَمَّاهُ بِالشِّرَاءِ مَجَازِيًّا، وَإِنَّمَا يَكُونُ مَجَازِيًّا بِالْإِعْتَاقِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى نِصْفَ قَرِيبِهِ يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَالضَّمَانُ الَّذِي يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ إعْتَاقٍ، وَهَذَا لِأَنَّهُ بِالشِّرَاءِ يَصِيرُ مُتَمَلِّكًا، وَالْمِلْكُ فِي الْقَرِيبِ إكْمَالٌ لِعِلَّةِ الْعِتْقِ فَإِذَا صَارَ مُضَافًا إلَى الشِّرَاءِ يَكُونُ بِهِ مُعْتَقًا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْحُكْمِ بِوَاسِطَةٍ كَالْمُوجِبِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute