للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي كَوْنِ الْحُكْمِ مُضَافًا إلَيْهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى إثْبَاتِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، أَنَّ عِتْقَ الْقَرِيبِ يَثْبُتُ بِالْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ جَمِيعًا قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ» وَهَذَا لِأَنَّ الْعِتْقَ صِلَةٌ، وَلِلْمِلْكِ تَأْثِيرٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الصِّلَةِ شَرْعًا حَتَّى تَجِبَ الزَّكَاةُ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ صِلَةً لِلْفُقَرَاءِ، كَمَا أَنَّ لِلْقَرَابَةِ تَأْثِيرًا فِي اسْتِحْقَاقِ الصِّلَةِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَصْفَيْنِ لِكَوْنِهِ مُؤَثِّرًا عِلَّةٌ، وَمَتَى تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ، فَالْحُكْمُ لِآخِرِهِمَا وُجُودًا لِأَنَّهُ تَمَامُ الْعِلَّةِ بِهِ وَآخِرُ الْوَصْفَيْنِ هُنَا الْمِلْكُ فَيَكُونُ بِهِ مُعْتَقًا وَلِهَذَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَسَبَ نَصِيبِهِ يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ آخِرَ الْوَصْفَيْنِ وُجُودًا الْقَرَابَةُ هُنَا فَيَصِيرُ بِهِ مُعْتِقًا وَهُوَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى النَّسَبِ بَعْدَ الْمَوْتِ يُوجِبُ ضَمَانَ الْمِيرَاثِ عِنْدَ الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ آخِرَ الْوَصْفَيْنِ مَا أَثْبَتَهُ الشُّهُودُ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَى هَذَا شَهَادَةُ الشَّاهِدِ الثَّانِي فَإِنَّهُ لَا يُحَالُ بِالْإِتْلَافِ عَلَيْهَا، وَإِنْ تَمَّتْ الْحُجَّةُ بِهَا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُوجِبُ شَيْئًا بِدُونِ الْقَضَاءِ، وَالْقَضَاءُ يَكُونُ بِهِمَا مَعًا.

وَبِهَذَا تَبَيَّنَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ: أَنَّ الْعِتْقَ مُسْتَحَقٌّ بِالْقَرَابَةِ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ كَمَالِ الْعِلَّةِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الشِّرَاءِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَحْلُولِ بِعِتْقِهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَا شَرْطٌ لَا أَثَرَ لَهُ فِي اسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ الْعِتْقِ فَيَكُونُ مُعْتَقًا بِيَمِينِهِ، وَلَمْ تَقْتَرِنْ نِيَّةُ الْكَفَّارَةِ بِهَا حَتَّى لَوْ اقْتَرَنَتْ جَازَ قَوْلُهُمْ: إنَّ الْعِتْقَ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ فَرْضٌ، قُلْنَا: إنَّمَا يَقَعُ الْعِتْقُ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ، وَيَكُونُ مُجَازَاةً لَهُ إذَا قَصَدَ ذَلِكَ، فَأَمَّا إذَا قَصَدَ بِهِ الْكَفَّارَةَ كَانَ هَذَا فِي حَقِّهِ إعْتَاقًا عَنْ الْكَفَّارَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ فُرِضَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ أَخِيهِ فَصَرَفَ إلَيْهِ زَكَاةَ مَالِهِ جَازَ، ثُمَّ تَسْقُطُ بِهِ النَّفَقَةُ حُكْمًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَهَذَا الْفِقْهُ الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابَةِ أَنَّ فِي حَقِّ الْمُعْتَقِ الْعِتْقُ وَاحِدٌ، فَيَحْصُلُ مَقْصُودُهُ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ نَوَاهُ الْمُعْتِقُ، وَلَكِنْ فِي حَقِّ الْمُعْتَقِ تَكْثُرُ جِهَاتُهُ، فَيَكُونُ عَمَّا نَوَى لِيَصِحَّ قَصْدُهُ، وَلَيْسَ هَذَا نَظِيرُ أُمِّ الْوَلَدِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ لَهَا بِالِاسْتِيلَادِ كَمَا قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا»، فَيَكُونُ الْمِلْكُ فِيهَا شَرْطًا لِلْعِتْقِ لَا إكْمَالًا لِلْعِلَّةِ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِمْ: إنَّ هَذَا صَرْفُ مَنْفَعَةِ الْكَفَّارَةِ إلَى أَبِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ صَرْفُ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ إلَى عَبْدِهِ جَازَ صَرْفُهَا إلَى أَبِيهِ بِخِلَافِ الْإِطْعَامِ، وَالْكِسْوَةِ فَصَرْفُهُ إلَى عَبْدِهِ لَا يَجُوزُ فَإِلَى أَبِيهِ أَوْلَى، وَكَذَلِكَ إنْ وَهَبَ لَهُ أَبُوهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ وَهُوَ يَنْوِي عَنْ كَفَّارَتِهِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ يَحْصُلُ بِصُنْعِهِ، وَهُوَ الْقَبُولُ فَأَمَّا إذَا وَرِثَ أَبَاهُ يَنْوِي بِهِ الْكَفَّارَةَ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ، وَبِدُونِ الصُّنْعِ لَا يَكُونُ مُحَرِّرًا، وَالتَّكْفِيرُ إنَّمَا يَتَأَدَّى بِالتَّحْرِيرِ، وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>