فَلَا يَكُونُ إيلَاءً وَيُمْكِنُهُ أَنْ يُجَامِعَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ بِأَنْ يَلُفَّ آلَتَهُ فِي حَرِيرَةٍ، ثُمَّ يَدُسَّهُ فِيهَا وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ: - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا حَلَفَ لَا يَأْتِيهَا وَعَنَى الْجِمَاعَ فَهُوَ مُولٍ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَعْنِ الْجِمَاعَ صُدِّقَ فِي الْقَضَاءِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ، وَيُرَادُ بِهِ الزِّيَارَةُ أَوْ الضَّرْبُ فَكَانَ اللَّفْظُ مُحْتَمَلًا، وَالْمُحْتَمَلُ لَا يُوجِبُ شَيْئًا بِدُونِ النِّيَّةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَغْشَاهَا فَهُوَ مَدِينٌ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْغِشْيَانَ يُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا} [الأعراف: ١٨٩] وَيُرَادُ بِهِ غَيْرُ الْجِمَاعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ.} [لقمان: ٣٢] وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَبُ فِرَاشَهَا فَلَفْظُ الْقُرْبِ إضَافَةٌ إلَى فِرَاشِهَا لَا إلَيْهَا، وَلِذَلِكَ يُحْتَمَلُ الْجِمَاعُ وَغَيْرُهُ، فَإِنْ عَنَى الْجِمَاعَ فَهُوَ مُولٍ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِمُولٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَنْ يُجَامِعَهَا مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ إمَّا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ بِأَنْ تَدْخُلَ هِيَ فِرَاشَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْرَبَ هُوَ فِرَاشَهَا، وَإِنْ حَلَفَ لَا يُبَاضِعُهَا فَهُوَ مُولٍ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ لِلْجِمَاعِ، فَإِنَّ الْمُبَاضَعَةَ إدْخَالُ الْبُضْعِ فِي الْبُضْعِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي صَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَغْتَسِلُ مِنْهَا مِنْ جَنَابَةٍ؛ لِأَنَّ الِاغْتِسَالَ مِنْهَا إنَّمَا يَكُونُ بِالْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ خَاصَّةً فَأَمَّا الْجِمَاعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ يَكُونُ اغْتِسَالًا مِنْ الْإِنْزَالِ لَا مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ لَفْظِهِ لِلْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ لَمْ يُصَدَّقْ فِي صَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ وَكَانَ مُولِيًا بِمَنْعِهِ حَقَّهَا بِيَمِينِهِ. فَإِنَّ حَقَّهَا فِي الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ لَا فِيمَا دُونَهُ.
(قَالَ): وَإِذَا حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا عِنْدَنَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى هُوَ مُولٍ، إنْ تَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَانَتْ بِالتَّطْلِيقَةِ. وَهَكَذَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ فِي الِابْتِدَاءِ فَلَمَّا بَلَغَهُ فَتْوَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: (لَا إيلَاءَ فِيمَا دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ. وَابْنُ أَبِي لَيْلَى اسْتَدَلَّ بِظَاهِرِ الْآيَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: ٢٢٦] وَالْإِيلَاءُ: هُوَ الْيَمِينُ. فَتَقْيِيدُ الْيَمِينِ بِمُدَّةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يَكُونُ زِيَادَةً. وَلَكِنَّا نَقُولُ الْمُولِي مَنْ لَا يَمْلِكُ قُرْبَانَ امْرَأَتِهِ فِي الْمُدَّةِ إلَّا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ، وَإِذَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى شَهْرٍ فَهُوَ يَتَمَكَّنُ مِنْ قُرْبَانِهَا بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ فَلَمْ يَكُنْ مُولِيًا كَمَا فِي تَرْكِ مُجَامَعَتِهَا مُدَّةً بِغَيْرِ يَمِينٍ.
(قَالَ): وَكُلُّ مَا حَلَفَ بِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا مِمَّا يَكُونُ بِهِ حَالِفًا فَهُوَ مُولٍ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي بَيَّنَّا أَنَّ تَضْيِيقَ الْأَمْرِ عِنْدَهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، فَإِذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يَنْتَهِي الْيَمِينُ بِمُضِيِّهَا فَلَا يُمْكِنُ تَضْيِيقُ الْأَمْرِ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ قُرْبَانِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ، وَإِذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ أَكْثَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute