للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَتَضْيِيقُ الْأَمْرِ عَلَيْهِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ مُمْكِنٌ، وَعِنْدَنَا مُجَرَّدُ مُضِيِّ الْمُدَّةِ عَزِيمَةُ الطَّلَاقِ، فَإِذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يَتِمُّ مَعْنَى الْإِيلَاءِ بِهِ، وَتَقَعُ الْفُرْقَةُ بِمُضِيِّهِ ثُمَّ الْيَمِينُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا - مَا يُقْصَدُ بِهِ تَعْظِيمُ الْمُقْسَمِ بِهِ: وَالثَّانِي - الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ، وَالْأَوَّلُ يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ، فَأَمَّا الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ يَمِينٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَلَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَبِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النَّوْعَيْنِ يَثْبُتُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ فَإِذَا قَالَ: أَحْلِفُ، أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَهُوَ مُولٍ عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي قَوْلِهِ: أَحْلِفُ بِاَللَّهِ كَذَلِكَ، فَأَمَّا فِي قَوْلِهِ أَحْلِفُ عِنْدَهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا، وَلَكِنَّهُ وَعْدٌ أَنْ يَحْلِفَ بِهَذَا اللَّفْظِ.

(وَلَكِنَّا) نَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ} [التوبة: ٩٦] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ} [التوبة: ٦٢] فَدَلَّ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمِينٌ، سَوَاءٌ ذَكَرَ قَوْلَهُ بِاَللَّهِ أَوْ أَطْلَقَ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ فِي الظَّاهِرِ يَكُونُ بِاَللَّهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ فَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَوْلُهُ أَشْهَدُ لَا يَكُونُ يَمِينًا، بَلْ يَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ لِلشَّهَادَةِ، فَإِذَا قَالَ بِاَللَّهِ يَمِينًا. وَلَكِنَّا نَقُولُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ يَمِينٌ سَوَاءٌ ذَكَرَ قَوْلَهُ بِاَللَّهِ أَوْ أَطْلَقَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَالُوا نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: ١] إلَى قَوْلِهِ {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المجادلة: ١٦] فَقَدْ سَمَّى شَهَادَتَهُمْ يَمِينًا وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ} [النور: ٦]. وَاللِّعَانُ يَمِينٌ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْلَا الْأَيْمَانُ الَّتِي سَبَقَتْ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ»؛ وَلِأَنَّ قَوْلَ الشَّاهِدِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي أَشْهَدُ فِي مَعْنَى الْيَمِينِ، وَلِهَذَا عَظُمَ الْوِزْرُ فِي شَهَادَةِ الزُّورِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْيَمِينِ الْغَمُوسِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ أُقْسِمُ أَوْ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ فَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَوْلُهُ أُقْسِمُ لَا يَكُونُ يَمِينًا كَقَوْلِهِ أَحْلِفُ. وَلَكِنَّا نَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} [القلم: ١٧] {وَلا يَسْتَثْنُونَ} [القلم: ١٨] وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْيَمِينِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [الأنعام: ١٠٩] وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَعْزِمُ أَوْ أَعْزِمُ بِاَللَّهِ فَإِنَّ الْعَزْمَ آكَدُ مَا يَكُونُ مِنْ الْعَهْدِ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْيَمِينِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ نَذْرٌ لِلَّهِ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (النَّذْرُ يَمِينٌ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ) وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ عَهْدُ اللَّهِ عَلَيَّ فَالْعَهْدُ يَمِينٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَوْفَوْا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: ٩١] مَعْنَاهُ إذَا حَلَفْتُمْ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: ٩١] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: عَلَيَّ ذِمَّةُ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَهْدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إلًّا وَلَا ذِمَّةً} [التوبة: ١٠] وَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَرَادُوكُمْ أَنْ تُعْطُوهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ فَلَا تُعْطُوهُمْ» وَأَهْلُ الذِّمَّةِ هُمْ أَهْلُ الْعَهْدِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ، أَوْ نَصْرَانِيٌّ، أَوْ مَجُوسِيٌّ، أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ إنْ قَرُبْتُك فَهُوَ مُولٍ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَكُونُ مُولِيًا بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ عَيْنُ مَا الْتَزَمَ عِنْدَ الْقُرْبَانِ فَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُهُ كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>