لَوْ قَالَ: هُوَ مُسْتَحِلٌّ الْمَيْتَةَ إنْ قَرُبْتُك وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ تَحْرِيمِ الْحَلَالِ، فَإِنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ عِنْدَنَا يَمِينٌ فَتَحْلِيلُ الْحَرَامِ، كَذَلِكَ، وَتَحْرِيمُ الْكُفْرِ بَاتَّةٌ مُصْمِتَةٌ، فَاسْتِحْلَالُهَا يَمِينٌ لِمَا عَلَّقَهُ بِالْقُرْبَانِ بِخِلَافِ اسْتِحْلَالِ الْمَيْتَةِ فَإِنَّ حُرْمَتَهَا لَيْسَتْ بِبَاتَّةٍ وَلَكِنَّهَا تَنْكَشِفُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَسَنُقَرِّرُ هَذَا الْفَصْلَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ. - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَعَظَمَةِ اللَّهِ أَوْ وَعِزَّةِ اللَّهِ أَوْ وَقُدْرَةِ اللَّهِ فَهَذَا وَقَوْلُهُ وَاَللَّهِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ: وَاَللَّهِ الْعَظِيمِ وَاَللَّهِ الْعَزِيزِ، وَاَللَّهِ الْقَادِرِ وَسَنُقَرِّرُ حُكْمَ الْيَمِينِ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ فَهُوَ مُولٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ قُرْبَانِهَا فِي الْمُدَّةِ بِشَيْءٍ لَا يَلْزَمُهُ؛ وَلِأَنَّ الشَّرْطَ وَالْجَزَاءَ يَمِينٌ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ) فَقَدْ سَمَّاهُ حَالِفًا، وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ بِحَجٍّ أَوْ هَدْيٍ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ صَوْمٍ جَعَلَ لِلَّهِ عَلَيْهِ إنْ قَرُبَهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ بِهَذَا مَنْعُ الْقُرْبَانِ حِينَ عَلَّقَ بِالْقُرْبَانِ مَا يَكُونُ مُمْتَنِعًا مِنْ الْتِزَامِهِ عَادَةً وَتَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ فِي أَدَائِهِ. وَإِذَا قَالَ وَالْقُرْآنِ لَا أَقْرَبُك لَا يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَتَعَارَفُوا الْحَلِفَ بِالْقُرْآنِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْأَيْمَانِ الْعُرْفُ، فَكُلُّ لَفْظٍ لَمْ يَكُنْ الْحَلِفُ بِهِ مُتَعَارَفًا لَا يَكُونُ يَمِينًا، وَهَذَا اللَّفْظُ إنَّمَا يُذْكَرُ فِي الْكِتَابِ خَاصَّةً وَقَدْ طَعَنَ عَلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ فَقَالُوا: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْكَلَامُ صِفَةُ الْمُتَكَلِّمِ فَلِمَاذَا لَمْ يُجْعَلْ الْحَلِفُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَمِينًا؟ وَلَكِنَّا نَقُولُ: كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى صِفَتُهُ وَلَكِنَّ الْحَلِفَ بِهِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ وَعِلْمِ اللَّهِ. عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي الْأَيْمَانِ. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: هُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ إنْ قَرُبْتُك فَهُوَ مُولٍ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْقُرْآنِ كُفْرٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: هُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ إنْ قَرُبْتُك، وَإِنْ قَالَ: وَالْكَعْبَةِ أَوْ الصَّلَاةِ، أَوْ الزَّكَاةِ لَا أَقْرَبُك أَوْ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ بِشَيْءٍ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ، لَا يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا سَمِعَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَقُولُ: وَأَبِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ فَلْيَذَرْ» فَدَلَّ أَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ لَا يَكُونُ يَمِينًا شَرْعًا، وَإِنْ قَالَ بِاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَهُوَ مُولٍ، وَحُرُوفُ الْيَمِينِ ثَلَاثَةٌ: الْبَاءُ، وَالْوَاوُ، وَالتَّاءُ. فَأَعَمَّهَا الْبَاءُ، حَتَّى تَدْخُلَ فِي اسْمِ اللَّهِ وَفِي غَيْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْمُضْمَرِ، وَالْمُظْهَرِ.
وَالْوَاوُ أَخَصُّ مِنْهَا فَإِنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْمُظْهَرِ دُونَ الْمُضْمَرِ، وَلَكِنَّهَا تَدْخُلُ فِي اسْمِ اللَّهِ، وَفِي غَيْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالتَّاءُ أَخَصُّ مِنْهَا فَإِنَّهَا لَا تَدْخُلُ إلَّا فِي اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى مُظْهَرًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبياء: ٥٧] وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ وَأَيْمُ اللَّهِ، أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute