للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَعَمْرِو اللَّهِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ تَعَارَفُوا الْحَلِفَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلُهُ وَأَيْمُ اللَّهِ أَيْ وَأَيْمُنُ اللَّهِ فَيَكُونُ جَمْعُ الْيَمِينِ، وَلِعَمْرِو اللَّهِ أَيْ وَاَللَّهِ الْبَاقِي، وَفِي قَوْلِهِ لَعَمْرُكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَمِينٌ، وَإِنْ قَالَ آللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَهُوَ مُولٍ أَيْضًا وَالْكَسْرَةُ فِي الْهَاءِ دَلِيلٌ عَلَى مَحْذُوفٍ، وَهُوَ الْقَسَمُ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْحُكْمِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْإِيلَاءَ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَإِنْ قَالَ قَوْلًا لَا يَقْرَبُهَا وَلَمْ يَحْلِفْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ هَكَذَا نُقِلَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: ٢٢٦] وَالْإِيلَاءُ يَمِينٌ فَبِدُونِ يَمِينِهِ كَانَ كَلَامُهُ وَعْدًا، وَالْمَوَاعِيدُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ فَهُوَ يَتَمَكَّنُ مِنْ قُرْبَانِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا فِي مَكَانِ كَذَا أَوْ فِي مِصْرِ كَذَا أَوْ قَالَ فِي أَرْضِ الْعِرَاقِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا عِنْدَنَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: هُوَ مُولٍ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْإِضْرَارَ وَالتَّعَنُّتَ بِيَمِينِهِ فَلَزِمَهُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْيَمِينُ إذَا وُقِّتَتْ بِمَكَانٍ تَوَقَّتَتْ بِهِ، فَهُوَ يَتَمَكَّنُ مِنْ قُرْبَانِهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ فِي الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِهِ مَنْعُ حَقِّهَا فِي الْجِمَاعِ.

(قَالَ): وَلَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا وَهِيَ حَائِضٌ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنَّ الْحَيْضَ لَا يَمْتَدُّ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَا حَظَّ لَهَا فِي الْجِمَاعِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ، فَلَا يَكُونُ مَانِعًا حَقَّهَا بِهَذِهِ الْيَمِينِ فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُعْتَبَرَ مُدَّةُ الْحَيْضِ فَيَبْقَى يَمِينُهُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ أَشْهُرٍ قُلْنَا: هَذَا أَنْ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ ثَابِتَةً بِالْمَعْنَى، وَثُبُوتُهَا بِالنَّصِّ، فَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا بِالرَّأْيِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى يَقْدُمَ فُلَانٌ، أَوْ حَتَّى يَفْعَلَ هُوَ شَيْئًا يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِهِ قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ بِمُولٍ: لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُجَامِعَهَا بَعْدَ وُجُودِ مَا جَعَلَهُ غَايَةً قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَإِنْ تَأَخَّرَ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لَمْ يَضُرَّهُ؛ لِأَنَّهُ بِأَصْلِ الْيَمِينِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا فَلَا يَصِيرُ مُولِيًا بِتَرْكِ الْمُجَامَعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْمُجَامَعَةَ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى يَفْعَلَ شَيْئًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَهُوَ مُولٍ مَعْنَاهُ حَتَّى يَمَسَّ السَّمَاءَ أَوْ يُحَوِّلَ هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَقْدُورِهِ ذَلِكَ الْفِعْلُ كَانَ مَقْصُودُهُ مِنْ جَعْلِهِ غَايَةَ تَحْقِيقِ مَعْنَى التَّأْبِيدِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حَتَّى تَخْرُجَ الدَّابَّةُ أَوْ الدَّجَّالُ أَوْ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَهُوَ مُولٍ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ بِمُولٍ؛ لِأَنَّهُ مَا جَعَلَهُ غَايَةً يُتَوَهَّمُ وُجُودُهُ قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. وَلَكِنَّا نَقُولُ مَقْصُودُ الزَّوْجِ بِهَذَا الْمُبَالَغَةُ فِي النَّفْيِ لَا التَّوْقِيتُ فَيَتَحَقَّقُ بِهِ مَعْنَى الْإِيلَاءِ.

(قَالَ): وَإِذَا حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا سَنَةً إلَّا يَوْمًا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ مُولٍ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ آخِرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>