للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُرْبَانَ الرَّابِعَةِ إلَّا بِكَفَّارَةٍ تَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ يُتِمُّ شَرْطَ الْحِنْثِ بِقُرْبَانِهَا فَيَكُونُ مُولِيًا مِنْهَا وَيَكُونُ مَعْنَى كَلَامِهِ إنْ قَرُبْتُ ثَلَاثًا مِنْكُنَّ، فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ الرَّابِعَةَ.

(وَجْهُ قَوْلِنَا) أَنَّهُ مُضَارٌّ مُتَعَنِّتٌ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُنَّ بِمَنْعِ حَقِّهَا فِي الْجِمَاعِ فَيَكُونُ مُولِيًا مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كَمَا لَوْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَلَى الِانْفِرَادِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِقُرْبَانِ بَعْضِهِنَّ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مُوجِبُ الْحِنْثِ فَلَا تَجِبُ مَا لَمْ يَتِمَّ شَرْطُ الْحِنْثِ، وَلَكِنْ عِنْدَ تَمَامِ الشَّرْطِ لَا يَكُونُ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِقُرْبَانِ الْآخِرَةِ فَقَطْ بَلْ بِقُرْبَانِهِنَّ جَمِيعًا فَأَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِاعْتِبَارِ الْبِرِّ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، فَهُنَا بِنَّ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ قَرُبْتُ ثَلَاثًا مِنْكُنَّ فَوَاَللَّهِ، لَا أَقْرَبُ الرَّابِعَةَ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ مَا عَقَدَ الْيَمِينَ فِي الْحَالِ بَلْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ فَلَا يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ، فَإِنْ جَامَعَ بَعْضَهُنَّ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ سَقَطَ عَمَّنْ جَامَعَ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَاءَ إلَيْهَا فِي الْمُدَّةِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَمَامِ شَرْطِ الْحِنْثِ فَإِذَا تَمَّتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَانَتْ الَّتِي لَمْ يُجَامِعْهَا؛ لِأَنَّ الْفَيْءَ فِي حَقِّهَا لَمْ يُوجِبْ فَبَقِيَ حُكْمُ الْإِيلَاءِ فِي حَقِّهَا فَتَبِينُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَلَوْ لَمْ يُجَامِعْ شَيْئًا مِنْهُنَّ، وَلَكِنْ طَلَّقَ إحْدَاهُنَّ ثَلَاثًا كَانَ مُولِيًا عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ مُنْتَظِرٌ، إنْ جَامَعَهُنَّ حَنِثَ إذْ لَيْسَ فِي يَمِينِهِ تَقْيِيدُ الْجِمَاعِ بِمَا قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْ وَلَكِنْ مَاتَتْ إحْدَاهُنَّ بَطَلَ الْإِيلَاءُ عَنْهُنَّ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ قَدْ فَاتَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِجِمَاعِ مَنْ بَقِيَ بَعْدَ هَذَا وَلَا بِجِمَاعِ الْمَيِّتَةِ، وَالْيَمِينُ لَا يَبْقَى بَعْدَ فَوَاتِ شَرْطِ الْحِنْثِ فَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ الْإِيلَاءُ عَنْهُنَّ.

(قَالَ): وَإِنْ حَلَفَ لَا يَقْرَبُ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَهُوَ مُولٍ مِنْهُنَّ فَإِنْ مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ بِنَّ جَمِيعًا. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: يَكُونُ مُولِيًا مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حَتَّى إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ طَلُقَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ بِغَيْرِ عَيْنِهَا؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ عَنْ قُرْبَانِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَرُبَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، وَحُكْمُ الطَّلَاقِ يَنْبَنِي عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الْقُرْبَانِ فَعِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى إحْدَاهُنَّ بِغَيْرِ عَيْنِهَا كَمَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ إحْدَاكُنَّ، وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْوَاحِدَةَ مُنَكِّرًا فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَانَ مَنْفِيٌّ، وَالنَّكِرَةُ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ تَعُمُّ بِخِلَافِ النَّكِرَةِ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ رَأَيْت الْيَوْمَ رَجُلًا يَقْتَضِي رُؤْيَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ قَالَ مَا رَأَيْت الْيَوْمَ رَجُلًا يَقْتَضِي نَفْيَ رُؤْيَةِ جَمِيعِ الرِّجَالِ، وَهَذَا لِأَنَّ مَعْنَى التَّنْكِيرِ فِي مَحَلِّ الْفَيْءِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالتَّعْمِيمِ فَفِيمَا يَنْبَنِي عَلَى نَفْيِ الْقُرْبَانِ وَهُوَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ يَتَنَاوَلُهُنَّ كَلَامُهُ جَمِيعًا وَفِيمَا يَنْبَنِي عَلَى وُجُودِ الْقُرْبَانِ وَهِيَ الْكَفَّارَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>