للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَنَاوَلُ كَلَامُهُ إحْدَاهُنَّ فَلِهَذَا إذَا قَرُبَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ عَنْهُنَّ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ تَمَامِ الشَّرْطِ وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ إحْدَاكُنَّ فَإِنَّ مَعْنَى التَّعْمِيمِ هُنَاكَ لَا يَتَحَقَّقُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَرَنَ بِكَلَامِهِ حَرْفَ كُلٍّ بِأَنْ قَالَ: كُلُّ إحْدَاكُنَّ لَا يَتَنَاوَلُهُنَّ جَمِيعًا، وَهُنَا لَوْ قَرَنَ بِكَلَامِهِ حَرْفَ كُلٍّ فَقَالَ: كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ تَنَاوَلَهُنَّ جَمِيعًا فَكَذَلِكَ بِسَبَبِ التَّنْكِيرِ، وَإِنْ كَانَ نَوَى وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا دُونَ غَيْرِهَا فَهُوَ مُولٍ مِنْهَا خَاصَّةً فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ مَا نَوَاهُ مُحْتَمِلٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ وَنَوَى وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ فَكَذَلِكَ فِي الْإِيلَاءِ، وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ.

(قَالَ): وَإِذَا آلَى مِنْ وَاحِدَةٍ لَمْ يُسَمِّيهَا، وَلَمْ يَنْوِهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ يُوقِعُ الطَّلَاقَ عَلَى أَيَّتِهِنَّ شَاءَ فَتَبِينُ بِهِ وَحْدَهَا وَلَوْ أَرَادَ التَّعْيِينَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لَمْ يَمْلِكْ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَغْيِيرَ حُكْمِ الْيَمِينِ فَإِنَّهُ قَبْلَ التَّعْيِينِ يَحْنَثُ بِقُرْبَانِ وَاحِدَةٍ أَيَّتُهُنَّ قَرُبَ، وَبَعْدَ التَّعْيِينِ لَا يَحْنَثُ بِقُرْبَانِ الْبَوَاقِي وَكَمَا لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حُكْمِ الْيَمِينِ لَا يَمْلِكُ تَغْيِيرَهُ، فَأَمَّا بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ مَلَكَ تَعْيِينَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا تَغْيِيرُ حُكْمِ الْيَمِينِ، وَلَكِنَّهُ تَعْيِينُ الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ وَذَلِكَ إلَى الزَّوْجِ ثُمَّ إذَا عَيَّنَ الطَّلَاقَ فِي إحْدَاهُنَّ لَا يَتَعَيَّنُ يَمِينُهُ فِيهَا إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ.

(قَالَ): وَإِذَا آلَى الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَسِيرَةُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ أَجْزَأَهُ إنْ فَاءَ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ الْجِمَاعِ فِي الْمُدَّةِ يَكُونُ فَيْؤُهُ بِاللِّسَانِ عِنْدَنَا، وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْفَيْءُ بِاللِّسَانِ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالْفَيْءِ حُكْمَانِ: وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ، وَامْتِنَاعُ حُكْمِ الْفُرْقَةِ ثُمَّ الْفَيْءُ بِاللِّسَانِ لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ، فَكَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ الْآخَرِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ الْكَفَّارَةُ تَجِبُ بِالْحِنْثِ وَالْحِنْثُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْفَيْءِ بِاللِّسَانِ، فَأَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ عِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْإِضْرَارِ وَالتَّعَنُّتِ وَذَلِكَ يَنْعَدِمُ فِي الْفَيْءِ بِاللِّسَانِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْفَيْءِ بِالْجِمَاعِ فَكَانَ الْفَيْءُ بِالْجِمَاعِ أَصْلًا وَبِاللِّسَانِ بَدَلًا عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْفَيْءَ عِبَارَةٌ عَنْ الرُّجُوعِ، وَإِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْجِمَاعِ فَإِنَّمَا قَصَدَ الْإِضْرَارَ وَالتَّعَنُّتَ بِمَنْعِ حَقِّهَا فِي الْجِمَاعِ فَفَيْؤُهُ بِالرُّجُوعِ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ يُجَامِعَهَا وَإِذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْجِمَاعِ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ الْإِضْرَارَ بِمَنْعِ حَقِّهَا فِي الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْجِمَاعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ الْإِضْرَارَ بِإِيحَاشِهَا بِلِسَانِهِ فَفَيْؤُهُ بِالرُّجُوعِ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ يُرْضِيَهَا بِلِسَانِهِ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ بِحَسَبِ الْجِنَايَةِ، ثُمَّ الْعَجْزُ عَنْ الْجِمَاعِ تَارَةً يَكُونُ بِبُعْدِ الْمَسَافَةِ وَتَارَةً بِالْمَرَضِ فَإِذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>