للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَمِينٍ وَاحِدَةً فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا قَرُبَهَا، وَلَا يَقَعُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ إلَّا تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَقْرَبْهَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ لِوَاحِدٍ قَدْ يُكَرَّرُ وَلَا يُرَادُ حُكْمُهُ بِالتَّكْرَارِ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ التَّغْلِيظَ وَالتَّجْدِيدَ فَإِنْ قَرُبَهَا فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّغْلِيظِ تَجَدُّدُ عَقْدِ الْيَمِينِ فَكَانَ حَالِفًا بِثَلَاثَةِ أَيْمَانٍ وَبِالْقُرْبَانِ مَرَّةً يَتِمُّ شَرْطُ الْحِنْثِ فِي الْأَيْمَانِ كُلِّهَا، وَإِنْ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ فَفِي الْقِيَاسِ تَطْلُقُ ثَلَاثًا يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا. وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - حَتَّى إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - تَبِينُ بِتَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا.

وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ ابْتِدَاءَ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ مِنْ الْوَقْتِ الْمُتَّصِلِ بِعَقْدِ الْيَمِينِ وَفِي الْإِيلَاءِ الْمُعْتَبَرُ أَوَّلُ الْمُدَّةِ فَقَدْ انْعَقَدَتْ بِاعْتِبَارِ كُلِّ يَمِينٍ مُدَّةً فَيَقَعُ عِنْدَ تَمَامِ كُلِّ مُدَّةٍ تَطْلِيقَةً حَتَّى تَبِينَ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْأَيْمَانُ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَتَأَخَّرُ انْعِقَادُ الْمُدَّةِ بَعْدَ الْيَمِينِ إلَى حَالِ افْتِرَاقِهِمَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ بَقِيَا فِي الْمَجْلِسِ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ فَتَمَّتْ الْمُدَّةُ مِنْ حِينِ حَلَفَ بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ، فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمَجْلِسَ وَالْمَجَالِسَ فِي هَذَا الْحُكْمِ سَوَاءٌ كَمَا فِي حُكْمِ الْحِنْثِ، وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَجْلِسَ الْوَاحِدَ يَجْمَعُ الْكَلِمَاتِ الْمُتَفَرِّقَةَ وَيَجْعَلُهَا كَالْمَوْجُودِ جُمْلَةً بِدَلِيلِ الْقَبُولِ مَعَ الْإِيجَابِ إذَا وُجِدَا فِي الْمَجْلِسِ يَجْعَلُ كَأَنَّهُمَا وُجِدَا مَعًا وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ لَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ جَعَلَ كَأَنَّهُ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ جُمْلَةً حَتَّى يَسْتَحِقَّ جَمِيعَ الْأَلْفِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قُلْنَا: حَالَةُ الْمَجْلِسِ كَحَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا يَنْعَقِدُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا مُدَّةً وَاحِدَةً فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ الْأَيْمَانُ كَمَا لَوْ قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ ثَانِيًا، وَثَالِثًا ثُمَّ جَاءَ الْغَدُ تَنْعَقِدُ ثَلَاثَةَ أَيْمَانٍ فِي حُكْمِ الْكَفَّارَةِ، وَمُدَّةً وَاحِدَةً فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بِالْآخَرِ وَعَلَى عَكْسِ هَذَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْتُ الدَّارَ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَدَخَلَ الدَّارَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تَنْعَقِدُ ثَلَاثَ إيلَاءَاتٍ فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ، وَلَوْ قَرُبَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا كَفَّارَةً وَاحِدَةً وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْأَيْمَانُ فِي مَجَالِسَ مُتَفَرِّقَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ هُنَاكَ مَا يَجْمَعُ الْأَحْوَالَ فَاعْتَبَرْنَا كُلَّ حَالَةٍ عَلَى حِدَةٍ فَانْعَقَدَتْ مُدَّةٌ جَدِيدَةٌ لِتَجْدِيدِ الْيَمِينِ فِي كُلِّ حَالَةٍ.

(قَالَ): وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ قَرُبْتُك فَعَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ عَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَهُوَ مُولٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فَعَلَيَّ يَمِينٌ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَإِنَّ مُوجِبَ الْيَمِينِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الْحِنْثِ فَقَدْ صَارَتْ بِحَيْثُ لَا يَمْلِكُ قُرْبَانَهَا فِي الْمُدَّةِ إلَّا بِكَفَّارَةٍ تَلْزَمُهُ

(قَالَ): وَإِيلَاءُ الْحُرَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>