ثُمَّ زَوَّجَهَا وَلِيُّهُ مِنْهُ انْعَقَدَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ وَإِنْ كَانَ ابْتِدَاءُ الْيَمِينِ مِنْ الْمَجْنُونِ لَا يَصِحُّ، وَكَانَ الْكَرْخِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: لَا تَنْعَقِدُ الْمُدَّةُ الثَّانِيَةُ مَا لَمْ يَتَزَوَّجْهَا وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ فِي انْعِقَادِ الْمُدَّةِ ابْتِدَاءً لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْإِضْرَارِ، وَذَلِكَ لَا يَتَقَرَّرُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ مَا لَمْ يَتَزَوَّجْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْجِمَاعِ فَلِهَذَا لَمْ تَنْعَقِدْ الْمُدَّةُ مَا لَمْ يَتَزَوَّجْهَا.
(قَالَ): وَلَوْ آلَى مِنْ أَمَتِهِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ لَا يَكُونُ مُولِيًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبَّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: ٢٢٦] وَهَذِهِ لَيْسَتْ مِنْ نِسَائِهِ؛ وَلِأَنَّ الْإِيلَاءَ طَلَاقٌ مُؤَجَّلٌ وَالْمَمْلُوكَةُ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِلطَّلَاقِ. وَلِأَنَّ حُكْمَ الْإِيلَاءِ مَنْعُ الْقُرْبَانِ الْمُسْتَحَقِّ، وَالْأَمَةُ لَا تَسْتَحِقُّ ذَلِكَ عَلَى الْمُولِي، وَكَذَلِكَ لَوْ آلَى مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ فَهُوَ بَاطِلٌ لِهَذِهِ الْمَعَانِي بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَتَزَوَّجَهَا كَانَ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْإِيلَاءَ بِالتَّزَوُّجِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ.
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَقْرَبُ امْرَأَتَهُ إلَّا فِي أَرْضِ كَذَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ تِلْكَ الْأَرْضِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قُرْبَانَهَا فِي الْمُدَّةِ إلَّا بِحِنْثٍ يَلْزَمُهُ فَإِنَّ الْمُسْتَثْنَى مَكَانٌ لَا يَصِلُ إلَيْهِ فِي الْمُدَّةِ فَلِهَذَا كَانَ مُولِيًا
(قَالَ): وَلَوْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ وَهُوَ فِي سِجْنٍ أَوْ حَبْسٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَيْءٌ إلَّا الْجِمَاعُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهَا فَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَدْخُلَ إلَيْهِ لِيُجَامِعَهَا فَإِنَّ السِّجْنَ مَوْضِعٌ لِلْمُجَامَعَةِ وَمَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ لَا عِبْرَةَ لِلْبَدَلِ
(قَالَ): وَإِنْ أَصَابَ الْمُولِي مِنْ امْرَأَتِهِ مَا دُونَ الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَيْئًا؛ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ فَلَا يَتَأَدَّى بِمَا دُونَهُ وَالْفَيْءُ مَا فِيهِ إيفَاءُ حَقِّهَا وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ قَدْ جَامَعَهَا فَإِنْ ادَّعَى فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَى ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الْمَعْرُوفِ أَنَّهُ مَتَى أَقَرَّ بِمَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ لَا يَكُونُ مُتَّهَمًا، فَلَوْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ عَلَى مَقَالَتِهِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ أَنَّهُ قَدْ جَامَعَهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ مِنْ إقْرَارِهِ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ وَهِيَ مِنْ أَعْجَبِ الْمَسَائِلِ أَنْ لَا يُقْبَلَ إقْرَارُهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، ثُمَّ يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ وَكَذَلِكَ إنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فَالْحَقُّ لَهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَسَعُهَا أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ إذَا كَانَتْ تَعْلَمُ كَذِبَهُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِذَا عَلِمَتْ هِيَ عَلَيْهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا مِنْهُ بِأَنْ تَهْرَبَ أَوْ تَفْتَدِيَ بِمَالِهَا إلَّا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا نِكَاحًا جَدِيدًا.
(قَالَ): وَلَوْ آلَى مِنْهَا بَعْدَ مَا طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً فَهُوَ مُولٍ؛ لِأَنَّ جِمَاعَهَا لَهُ حَلَالٌ، فَإِنْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ سَقَطَ حُكْمُ الْإِيلَاءِ لِخُرُوجِهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِطَلَاقِهِ فَإِذَا تَزَوَّجَهَا يَسْتَقْبِلُ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ مِنْ حِينِ تَزَوَّجَهَا. وَقَدْ بَيَّنَّاهُ. .
(قَالَ): وَإِذَا آلَى الرَّجُلُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ تَكْرَارَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute