للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَزَوَّجَهَا بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا يَبْطُلُ بِلَحَاقِهَا فَإِنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ مُنْتَظَرٌ بَعْدُ. وَأَصْلُ كَلَامِهِ كَانَ إيلَاءً صَحِيحًا، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا مَعَ بَقَاءِ تِلْكَ الْيَمِينِ كَانَ مُولِيًا مِنْهَا حِينَ تَزَوَّجَهَا، وَإِنَّمَا انْعَقَدَتْ الْمُدَّةُ الثَّانِيَةُ، وَهِيَ أَمَةٌ، وَمُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ شَهْرَانِ.

(قَالَ): وَإِنْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ ثُمَّ اشْتَرَاهَا سَقَطَ الْإِيلَاءُ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِحَيْثُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهَا عَلَيْهَا، وَمُوجِبُ الْمُدَّةِ الْمُنْعَقِدَةُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عِنْدَ مُضِيِّهَا فَإِذَا خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِذَلِكَ سَقَطَ حُكْمُ تِلْكَ الْمُدَّةِ، كَمَا لَوْ أَبَانَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَإِنْ بَاعَهَا أَوْ أَعْتَقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، فَهُوَ مُولٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِحَالٍ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا، وَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ فَتَنْعَقِدُ الْمُدَّةُ مِنْ حِينِ تَزَوَّجَهَا، وَكَذَلِكَ الْحُرَّةُ إذَا اشْتَرَتْ زَوْجَهَا فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ عِصْمَةَ النِّكَاحِ تَنْقَطِعُ بِالْمِلْكِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا، فَإِنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ مَحَلًّا لِطَلَاقِهِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْيَدِ لَهُ عَلَيْهَا، وَمِلْكُ الْيَمِينِ كَمَا يُنَافِي أَصْلَ مِلْكِ النِّكَاحِ يُنَافِي مِلْكَ الْيَدِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ، وَلِهَذَا لَا تَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى فِي عِدَّتِهَا.

(قَالَ) وَإِذَا حَلَفَ الْعَبْدُ بِالْعِتْقِ أَوْ الصَّدَقَةِ أَنْ لَا يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ قُرْبَانَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ، فَإِنَّهُ لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ، وَمُرَادُهُ مِنْ الصَّدَقَةِ أَنْ يَلْتَزِمَ الصَّدَقَةَ بِمَالٍ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ الْمَالَ فَيَكُونُ الْتِزَامُهُ التَّصَدُّقَ بِهِ لَغْوًا.

(قَالَ): وَإِنْ حَلَفَ بِحَجٍّ أَوْ صَوْمٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَانَ مُولِيًا؛ لِأَنَّ الْتِزَامَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ صَحِيحٌ مِنْهُ كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْحُرِّ، فَإِذَا عَلَّقَهَا بِالْقُرْبَانِ فَهُوَ لَا يَمْلِكُ قُرْبَانَهَا فِي الْمُدَّةِ إلَّا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ عَلَّقَ بِالْقُرْبَانِ الْتِزَامَ الصَّدَقَةِ فِي ذِمَّتِهِ.

(قَالَ): وَإِذَا حَلَفَ الذِّمِّيُّ أَنْ لَا يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فِي وَجْهٍ يَكُونُ مُولِيًا بِالِاتِّفَاقِ، وَهُوَ مَا إذَا حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ يَصِحُّ مِنْهُ كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْمُسْلِمِ، وَفِي وَجْهٍ لَا يَكُونُ مُولِيًا بِالِاتِّفَاقِ، وَهُوَ مَا إذَا حَلَفَ بِحَجٍّ أَوْ صَوْمٍ أَوْ صَدَقَةٍ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ وَمَا فِيهِ مِنْ الشِّرْكِ يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِذَلِكَ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْإِيلَاءَ مِنْهُ بِالْحَجِّ صَحِيحٌ فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فِي حُكْمِ الْتِزَامِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ يَنْفَصِلُ عَنْ الْآخَرِ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يُعْتَمَدُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَأَمَّا إيلَاؤُهُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى يَنْعَقِدُ فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ وَلَوْ قَرُبَهَا لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْقِسْمِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ قُرْبَانَهَا فِي الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>