شَيْءٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْإِيلَاءِ، وَهُوَ قَصْدُ الْإِضْرَارِ بِمَنْعِ حَقِّهَا فِي الْجِمَاعِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِوُجُوبِ تَعْظِيمِ الْمُقْسَمِ بِهِ وَمَعَ الشِّرْكِ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ هَذَا التَّعْظِيمُ كَمَا لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ هَذَا الِالْتِزَامُ الْتِزَامُ الْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: إنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ فِيهَا ذِكْرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ مُعْتَبَرٌ مِنْ الذِّمِّيِّ حَتَّى تَحِلَّ ذَبِيحَةُ الْكِتَابِيِّ إذَا ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَلِكَ يُسْتَحْلَفُ فِي الْمَظَالِمِ وَالْخُصُومَاتِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْكُفَّارِ أَيْمَانًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} [التوبة: ١٣] وقَوْله تَعَالَى {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ} [التوبة: ١٢] وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ صَارَ هُوَ بِحَيْثُ لَا يَمْلِكُ قُرْبَانَهَا إلَّا بِحِنْثٍ يَلْزَمُهُ فَيَكُونَ مُولِيًا ثُمَّ يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الْحِنْثِ، وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَلَكِنَّ حُكْمَ الطَّلَاقِ يَنْفَصِلُ عَنْ حُكْمِ الْكَفَّارَةِ فِي الْإِيلَاءِ كَمَا لَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَهُ: لَا أَقْرَبُكُنَّ يَكُونُ مُولِيًا مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَإِنْ كَانَ لَوْ قَرُبَ ثَلَاثًا مِنْهُنَّ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ وَلِأَنَّ لِهَذِهِ الْيَمِينِ حُكْمَيْنِ. أَحَدُهُمَا الطَّلَاقُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ وَالْآخَرُ الْكَفَّارَةُ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحُكْمَيْنِ مَقْصُودٌ بِهَذَا الْيَمِينِ فَامْتِنَاعُ ثُبُوتِ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ الثَّانِي مَعَ وُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ.
(قَالَ): وَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ بِعِتْقِ عَبْدِهِ لَا يَقْرَبُ امْرَأَتَهُ فَهُوَ مُولٍ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ يَقُولُ: يَمْلِكُ قُرْبَانَهَا فِي الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ، بِأَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هُوَ لَا يَمْلِكُ قُرْبَانَهَا إلَّا بِعِتْقٍ يَلْزَمُهُ فَيَكُونَ مُولِيًا، وَلَا يُعْتَبَرُ تَمَكُّنُهُ مِنْ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ وَرُبَّمَا لَا يَجِدُ مُشْتَرِيًا يَشْتَرِيهِ مِنْهُ فَإِنْ بَاعَ الْعَبْدَ سَقَطَ عَنْهُ الْإِيلَاءُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِحَالٍ يَمْلِكُ قُرْبَانَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ فَإِنْ اشْتَرَاهُ لَزِمَهُ الْإِيلَاءُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ الْأُولَى قَدْ بَطَلَتْ فَيَسْتَأْنِفُ الْمُدَّةَ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِحَالٍ لَا يَمْلِكُ قُرْبَانَهَا إلَّا بِعِتْقٍ يَلْزَمُهُ، وَلَوْ كَانَ جَامَعَهَا بَعْدَمَا بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ قَدْ سَقَطَتْ بِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ بَعْدَ بَيْعِ الْعَبْدِ فَهُوَ يَمْلِكُ قُرْبَانَهَا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ، وَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ سَقَطَ الْإِيلَاءُ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ قُرْبَانِهَا بَعْدَ مَوْتِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ عَلَى إيلَاءِ هَذِهِ بِطَلَاقِ أُخْرَى ثُمَّ مَاتَتْ تِلْكَ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا بَعْدَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْرَبَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا مِنْ هَذِهِ أَيْضًا إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ عَلَى تَطْلِيقَاتِ ذَلِكَ الْمِلْكِ وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْهَا بَعْدَ إيقَاعِ الثَّلَاثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute