للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُحْصَنَةٍ، وَهُوَ صَادِقٌ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا، وَكَذَلِكَ إنْ وُطِئَتْ وَطْئًا حَرَامًا يُرِيدُ بِهِ الْوَطْءَ بِشُبْهَةٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: يُلَاعِنُهَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَطْءَ مُثْبِتٌ لِلنَّسَبِ مُوجِبٌ لِلْعِدَّةِ وَالْمَهْرِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْإِحْصَانُ كَوَطْءِ الْمَنْكُوحَةِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: وَطْءُ غَيْرِ مَمْلُوكٍ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الزِّنَا فَيَسْقُطُ بِهِ الْإِحْصَانُ وَلَكِنْ لَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ.

وَالشُّبْهَةُ تَصْلُحُ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ لَا لِإِيجَابِهِ فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَى قَاذِفِهَا الْحَدَّ وَاللِّعَانَ كَانَ فِيهِ إيجَابُ الْحَدِّ بِالشُّبْهَةِ، وَبِهَذَا فَارَقَ حُكْمَ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ.

(قَالَ): وَإِذَا قَذَفَهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ أَوْ هُوَ صَغِيرٌ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ، أَمَّا الصَّبِيُّ فَقَوْلُهُ هَدَرٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ، وَالصَّغِيرَةُ لَيْسَتْ بِمُحْصَنَةٍ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَجْنُونًا أَوْ مَعْتُوهًا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَخْرَسُ أَمَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْأَخْرَسُ فَقَذْفُهُ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَلَا اللِّعَانَ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُوجِبُ؛ لِأَنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ كَعِبَارَةِ النَّاطِقِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: لَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِلَفْظِ الزِّنَا لِيَكُونَ قَذْفًا مُوجِبًا لِلْحَدِّ، أَوْ اللِّعَانِ، وَلَا يَتَأَتَّى هَذَا التَّصْرِيحُ فِي إشَارَةِ الْأَخْرَسِ، فَإِنَّ إشَارَتَهُ دُونَ عِبَارَةِ النَّاطِقِ بِالْكِتَابَةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ الشَّهَادَةِ فِي اللِّعَانِ حَتَّى أَنَّ النَّاطِقَ لَوْ قَالَ: أَحْلِفُ مَكَانَ قَوْلِهِ أَشْهَدُ لَا يَكُونُ صَحِيحًا.

وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَرْتَكِبُونَ هَذَا، وَلَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ، فَإِذًا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ الشَّهَادَةِ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ هِيَ خَرْسَاءُ؛ لِأَنَّ قَذْفَ الْخَرْسَاءِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لِجَوَازِ أَنْ تَصْدُقَهُ لَوْ كَانَتْ تَنْطِقُ، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى إظْهَارِ هَذَا التَّصْدِيقِ بِإِشَارَتِهَا، وَإِقَامَةُ الْحَدِّ مَعَ الشُّبْهَةِ لَا يَجُوزُ.

(قَالَ): وَإِذَا قَذَفَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ امْرَأَتَهُ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ بِالزِّنَا، فَإِنْ كَفَّتْ عَنْ مُرَافَعَتِهِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ زِنَاهَا لَا يُنَافِي بَقَاءَ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا فَالنَّسَبُ إلَى الزِّنَا أَوْلَى، وَاللِّعَانُ هُنَا كَالْحَدِّ فِي قَذْفِ الْأَجَانِبِ، وَذَلِكَ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَإِنْ دَفَعَتْهُ بَدَأَ الْإِمَامُ بِالرَّجُلِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُلَاعِنَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ. يَقُومُ فَيَشْهَدُ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا وَالْخَامِسَةَ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا ثُمَّ تَقُومُ الْمَرْأَةُ فَتَشْهَدُ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا أَمَّا قِيَامُهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فَسَّرَهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: لَا يَضُرُّهُ اللِّعَانُ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَةٌ أَوْ يَمِينٌ فَالْقَائِمُ وَالْقَاعِدُ فِيهِ سَوَاءٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>