للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَانَ مُوجِبًا لِلْحَدِّ، وَكَذَلِكَ الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ إذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ قَامَتْ لَنَا عَلَى أَنَّ إقَامَةَ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَيْهِ مُبْطِلٌ لِشَهَادَتِهِ، وَمُخْرِجٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَحْدُودَةً فِي قَذْفٍ فَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فِي جَانِبِهَا إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ هِيَ الْمَحْدُودَةُ فِي الْقَذْفِ فَلَا حَدَّ عَلَى الزَّوْجِ، وَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّ قَذْفَهُ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ مُوجِبٌ لِلِّعَانِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ إذْ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمُوجِبَيْنِ وَلَكِنْ امْتَنَعَ جَرَيَانَ اللِّعَانِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ صَدَقَتْ الزَّوْجَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمَحْدُودُ؛ لِأَنَّ قَذْفَهُ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلِّعَانِ فَكَانَ مُوجِبًا لِلْحَدِّ إذْ هِيَ مُحْصَنَةٌ.

وَلَوْ كَانَا مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ قَذْفَهُ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلِّعَانِ فَيَكُونُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ امْتِنَاعُ جَرَيَانِ اللِّعَانِ هُنَا لِكَوْنِهَا مَحْدُودَةً؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْقَذْفِ يَكُونُ مِنْ الرَّجُلِ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ حُكْمُ الْمَانِعِ فِي جَانِبِهَا بَعْدَ قِيَامِ الْأَهْلِيَّةِ فِي جَانِبِ الرَّجُلِ فَأَمَّا بِدُونِ الْأَهْلِيَّةِ فِي جَانِبِهِ لَا مُعْتَبَرَ بِحَالِهَا، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ يَقْذِفُ الْحُرَّةَ الْمَحْدُودَةَ تَحْتَهُ لِأَنَّهَا مُحْصَنَةٌ وَإِنْ قَذَفَ الْعَبْدُ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ مَمْلُوكَةً أَوْ مُكَاتَبَةً فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا وَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُحْصَنَةٍ وَكَذَلِكَ الْحُرُّ يَقْذِفُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ أَمَةٌ، أَوْ مُدَبَّرَةٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبَةٌ أَوْ مُسْتَسْعَاةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبَةِ فَلَا تَكُونُ مُحْصَنَةً مَعَ قِيَامِ الرِّقِّ، وَلَكِنَّهُ يُعْذَرُ لِذَلِكَ أَسْوَاطًا؛ لِأَنَّ قَذْفَ الْمَمْلُوكِ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ لِمَعْنَى هَتْكِ السِّتْرِ، وَإِشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ، وَالْعَبْدُ إذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ قَذْفَهُ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلِّعَانِ فَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ لِكَوْنِهَا مُحْصَنَةً.

(قَالَ): إذَا قَذَفَ الْأَعْمَى امْرَأَتَهُ، وَهِيَ عَمْيَاءُ وَالْفَاسِقُ قَذَفَ امْرَأَتَهُ فَعَلَيْهِمَا اللِّعَانُ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، وَلَكِنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِعَدَمِ ظُهُورِ رُجْحَانِ جَانِبِ الصِّدْقِ، وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالتَّثَبُّتِ فِي خَبَرِهِ، وَالتَّثَبُّتُ غَيْرُ الرَّدِّ.

بِخِلَافِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ فَإِنَّهُ مَحْكُومٌ بِبُطْلَانِ شَهَادَتِهِ، كَمَا قَالَتْ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْفَاسِقَ إذَا شَهِدَ فِي حَادِثَةٍ فَرَدَّ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ التَّوْبَةِ لَمْ تُقْبَلْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَرْدُودُ شَهَادَةً لَكَانَتْ مَقْبُولَةً بَعْدَ التَّوْبَةِ.

وَكَذَلِكَ الْأَعْمَى مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِنُقْصَانٍ فِي ذَاتِهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إلَّا بِالصَّوْتِ وَالنَّغْمَةِ؛ وَلِأَنَّ شَهَادَتَهُ جَائِزَةٌ فِي قَوْلِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ يَعْنِي إذَا تَحَمَّلَ، وَهُوَ بَصِيرٌ ثُمَّ أَدَّى بَعْدَ الْعَمَى تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَإِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ كَانَ مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ أَيْضًا.

(قَالَ): وَإِذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ وَقَدْ زَنَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>