للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْنَهُمَا فِي الشَّهَادَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - اسْتَدَلَّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} [النور: ٦] وَلِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ فَيَكُونُ شَهَادَةً فِيهَا مَعْنَى الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ بِاَللَّهِ وَلِهَذَا سَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمِينًا، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ (لَوْلَا الشَّهَادَاتُ الَّتِي سَبَقَتْ) وَفِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ يَسْتَوِي فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ حَتَّى تُقْبَلَ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ، وَاحِدَةٍ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ فَهُنَا كَذَلِكَ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا التَّعْلِيلُ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ فِي اللِّعَانِ مَعْنَى الْحَدِّ، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا مَعْنَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ قَذْفَ زَوْجَتِهِ قَدْ يَكُونُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ إذَا تَعَذَّرَ اللِّعَانُ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ فَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ بِالْحُجَّةِ الَّتِي فِيهَا شُبْهَةٌ.

(قَالَ): وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَذَفَهَا بِالزِّنَا، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ لِوَلَدِهَا: هَذَا مِنْ الزِّنَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ لَفْظًا، وَمَعْنًى فَإِنَّ نِسْبَةَ الْوَلَدِ إلَى أَنَّهُ مَخْلُوقٌ بِالزِّنَا غَيْرُ قَذْفِهَا بِالزِّنَا، وَالْمُوَافَقَةِ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ لَفْظًا، وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ مُعْتَبَرَةٌ وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَذَفَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ قَذَفَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَهَا: زَنَى بِك فُلَانٌ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ لَهَا زَنَى بِك فُلَانٌ لِرَجُلٍ آخَرَ فَعَلَيْهِ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهَا بِالزِّنَا هُوَ التَّمْكِينُ مِنْ فِعْلِ الزِّنَا وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْفَاعِلِ إذَا كَانَ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَاعِلَيْنِ زِنًا فَقَدْ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَى أَنَّهُ قَذَفَهَا بِالزِّنَا لَفْظًا وَمَعْنًى، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِيمَا لَا حَاجَةَ بِهِمَا إلَى ذِكْرِهِ وَلَوْ كَانَ قَذْفُهَا بِرَجُلٍ وَاحِدٍ، وَجَاءَ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَطْلُبُ حَدَّهُ جُلِدَ الْحَدَّ، وَدُرِئَ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ عِنْدَ الْإِمَامِ حَدَّانِ فَإِنَّ قَذْفَهُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ، وَفِي حَقِّهَا مُوجِبٌ لِلِّعَانِ، وَمَتَى اجْتَمَعَ حَدَّانِ، وَفِي الْبِدَايَةِ بِأَحَدِهِمَا إسْقَاطُ الْآخَرُ يُبْدَأُ بِذَلِكَ.

(قَالَ): وَإِذَا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ عَلَى الزَّوْجِ بِالْقَذْفِ حَبَسَهُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشَّاهِدَيْنِ، وَلَمْ يَكْفُلْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا كَفَالَةَ فِي الْحُدُودِ، وَهَذَا فِي مَعْنَى الْحَدِّ، فَإِنْ قَالَا: نَشْهَدُ أَنَّهُ قَذَفَ امْرَأَتَهُ، وَأُمَّنَا فِي كَلِمَةٍ، وَاحِدَةٍ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهَا بَطَلَتْ فِي حَقِّ أُمِّهِمَا فَإِنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لَهَا، وَمَتَى بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ فِي بَعْضِ الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ بَطَلَ فِي كُلِّهَا، وَإِنْ شَهِدَ ابْنَاهُ مِنْ غَيْرِهَا عَلَى قَذْفِهِ إيَّاهَا، وَأُمُّهُمَا عِنْدَهُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ لِمَا فِيهَا مِنْ نَفْعِ أُمِّهِمَا، فَإِنَّهَا لَوْ قُبِلَتْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِاللِّعَانِ فَيَخْلُصُ الْفِرَاشُ لِأُمِّهِمَا، وَهُوَ كَمَا لَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِطَلَاقِ ضَرَّةِ أُمِّهِمَا قَالَ إلَّا أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ، وَلَا يُضْرَبُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى أَبِيهِمَا بِالْحَدِّ، وَلَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأُمِّهِمَا.

(قَالَ)، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِقَذْفِ امْرَأَتِهِ فَعُدِّلَا، ثُمَّ غَابَا أَوْ مَاتَا قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِاللِّعَانِ فَإِنَّ الْمَوْتَ، وَالْغَيْبَةَ لَا تَقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>