للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَمِيَا أَوْ ارْتَدَّا أَوْ فَسَقَا، وَهَكَذَا الْجَوَابُ فِي كُلِّ حَدٍّ مَا خَلَا الرَّجْمَ، فَإِنَّهُ لَا يُقَامُ بَعْدَ مَوْتِ الشُّهُودِ أَوْ فِسْقِهِمْ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ أَنْ يَبْدَأَ الشُّهُودُ، وَذَلِكَ يَفُوتُ.

(قَالَ): وَيُقْبَلُ تَوْكِيلُ الْمَرْأَةِ فِي إثْبَاتِ الْقَذْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، كَمَا يُقْبَلُ تَوْكِيلُ الْمَقْذُوفِ إذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا فِي إثْبَاتِ الْقَذْفِ فَإِذَا جَاءَ مَوْضِعُ الْإِقَامَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَحْضُرَ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ لَا تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِالنَّائِبِ.

(قَالَ): وَإِذَا أَقَامَ الزَّوْجُ الْقَاذِفُ شَاهِدَيْنِ عَلَى إقْرَارِ الْمَرْأَةِ بِالزِّنَا يَسْقُطُ اللِّعَانُ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِإِقْرَارِهَا، وَبِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَلَا يَلْزَمُهَا حَدُّ الزِّنَا كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ مَرَّةً، وَاحِدَةً فَإِنَّ الْأَقَارِيرَ الْأَرْبَعَةَ فِي مَجَالِسَ مُتَفَرِّقَةٍ لَا بُدَّ مِنْهَا لِإِقَامَةِ حَدِّ الزِّنَا، وَتَمْتَنِعُ الْإِقَامَةُ بِإِنْكَارِهَا بَعْدَ الْأَقَارِيرِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهَا رَجُلٌ، وَامْرَأَتَانِ بِذَلِكَ دَرَأْتُ اللِّعَانَ أَيْضًا اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ يُلَاعِنُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلنِّسَاءِ فِي بَابِ الزِّنَا، فَلَا يَكُونُ لَهُنَّ شَهَادَةً أَيْضًا فِي إثْبَاتِ الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: الْمَقْصُودُ هُنَا دَرْءُ الْحَدِّ لَا إثْبَاتُهُ، وَدَرْءُ الْحَدِّ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ، فَتُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الرِّجَالِ مَعَ النِّسَاءِ، وَلَوْ عَفَّتْ الْمَرْأَةُ عَنْ الْقَذْفِ كَانَ لَهَا أَنْ تُخَاصِمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَتُطَالِبَ بِاللِّعَانِ كَمَا فِي الْحُدُودِ فِي قَذْفِ الْأَجَانِبِ عِنْدَنَا.

(قَالَ): وَإِنْ شَهِدَ لِلزَّوْجِ ابْنَاهُ مِنْهَا أَنَّهَا أَقَرَّتْ بِالزِّنَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِأَبِيهِمَا بِإِسْقَاطِ اللِّعَانِ عَنْهُ، وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ: أَنَّهُ قَذَفَهَا، وَقَذَفَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ قَبْلَهُ فِي كَلَامٍ مُتَفَرِّقٍ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا لِلْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا مُدَّعِيَانِ، وَفِي حَقِّ الْمَرْأَةِ شَاهِدَانِ فَإِذَا كَانَ الْكَلَامُ مُتَفَرِّقًا فَبُطْلَانُ شَهَادَتِهِمَا فِي أَحَدِ الْكَلَامَيْنِ لَا يُبْطِلُ شَهَادَتَهُمَا فِي الْكَلَامِ الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْكُلُّ فِي كَلَامٍ، وَاحِدٍ

(قَالَ): وَإِذَا صَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عِنْدَ الْإِمَامِ فَقَالَتْ صَدَقَ، وَلَمْ تَقُلْ زَنَيْت فَأَعَادَتْ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجَالِسَ مُتَفَرِّقَةٍ لَمْ يَلْزَمْهَا حَدُّ الزِّنَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا: صَدَقَ - كَلَامٌ مُحْتَمَلٌ، وَمَا لَمْ تُفْصِحْ بِالْإِقْرَارِ بِالزِّنَا لَا يَلْزَمُهَا الْحَدُّ وَلَكِنْ يَبْطُلُ اللِّعَانُ، وَلَا يُحَدُّ مِنْ قَذْفِهَا بَعْدَ هَذَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا صَدَّقَتْهُ فِي نِسْبَتِهَا إلَى الزِّنَا، وَالظَّاهِرُ يَكْفِي لِإِسْقَاطِ إحْصَانِهَا.

(قَالَ): وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْقَذْفِ فَقَالَ الزَّوْجُ: يَوْمئِذٍ كَانَتْ أَمَةً أَوْ كَافِرَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُجُوبَ اللِّعَانِ عَلَيْهِ، وَهِيَ تَدَّعِي وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ بِمَنْزِلَةِ الْحَدِّ، وَلَا يَمِينَ فِي الْحُدُودِ، فَإِنَّهُ لَوْ اُسْتُحْلِفَ إنَّمَا يُسْتَحْلَفُ لِيُتَوَصَّلَ إلَى اللِّعَانِ بِنُكُولِهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةَ الْأَصْلِ فِي الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ فَعَرَفَ ذَلِكَ الْقَاضِي لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِيمَا يَدَّعِي، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ: الْمَرْأَةُ عَلَى حُرِّيَّتِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>