الْحَدِيثِ لَمْ يَتْرُكْ، وَارِثًا، هُوَ عَصَبَةً بِدَلِيلِ قَوْلِهِ كُنْت أَنْتَ عَصَبَتَهُ ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا يَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ لَهُ بِذَلِكَ كِتَابًا، وَالْمَقْصُودُ بِالْكِتَابِ التَّوْثِيقُ فَلْيَكْتُبْ عَلَى أَحْوَطِ الْوُجُوهِ، وَيَتَحَرَّزْ فِيهِ عَنْ طَعْنِ كُلِّ طَاعِنٍ، وَلِهَذَا ذَكَرَ فِيهِ أَنِّي أَعْتِقُك لِوَجْهِ اللَّهِ فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ لَا يَنْفُذُ الْعِتْقُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْمُعْتِقُ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهَذَا حَتَّى لَوْ قَالَ: أَعْتِقُك لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ الشَّيْطَانِ نَفَذَ الْعِتْقُ.
وَالْحَدِيثُ الَّذِي بَدَأَ بِهِ الْكِتَابَ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يُذْكَرُ هَذَا لِلتَّحَرُّزِ عَنْ جَهْلِ بَعْضِ الْقُضَاةِ
،
وَكَذَلِكَ يَكْتُبُ وَلِي وَلَاؤُك، وَوَلَاءُ عِتْقِك مِنْ بَعْدِك؛ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: لَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ إلَّا بِالشَّرْطِ فَيَذْكُرُهُ فِي الْكِتَابِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ هَذَا، ثُمَّ الْأَلْفَاظُ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْعِتْقُ نَوْعَانِ: صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ فَالصَّرِيحُ لَفْظُ الْعِتْقِ، وَالْحُرِّيَّةِ، وَالْوَلَاءِ وَيَسْتَوِي إنْ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ، أَوْ الْوَصْفِ، أَوْ النِّدَاءِ، إمَّا بِصِيغَةِ الْخَبَرِ أَنْ يَقُولَ قَدْ أَعْتَقْتُك أَوْ حَرَّرْتُك؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْعَاقِلِ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ، وَوَجْهُ الصِّحَّةِ هُنَا مُتَعَيَّنٌ، وَهُوَ الْإِنْشَاءُ، وَصِيغَةُ الْإِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ فِي الْعِتْقِ، وَاحِدٌ وَإِمَّا عَلَى سَبِيلِ الْوَصْفِ أَنْ يَقُولَ: أَنْتَ حُرٌّ أَنْتَ عَتِيقٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَفَهُ بِمَا يَمْلِكُ إيجَابَهُ فِيهِ جُعِلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِيجَابِ مِنْهُ لِتَحْقِيقِ وَصْفِهِ فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الْكَذِبَ، وَالْخَبَرَ بِالْبَاطِلِ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلِاحْتِمَالِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ فِي الظَّاهِرِ مَوْضُوعٌ لِإِيجَابِ الْعِتْقِ وَالْقَاضِي يَتْبَعُ الظَّاهِرَ؛ لِأَنَّ مَا، وَرَاءَ ذَلِكَ غَيْبٌ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ يَا حُرُّ يَا عَتِيقُ؛ لِأَنَّ النِّدَاءَ لِاسْتِحْضَارِ الْمُنَادَى، وَذَلِكَ بِذَكَرِ، وَصْفٍ لَهُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّدَاءِ فَهَذَا، وَوَصْفُهُ إيَّاهُ بِالْعِتْقِ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: هَذَا مَوْلَايَ أَوْ لِأَمَتِهِ: هَذِهِ مَوْلَاتِي؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يُذْكَرُ بِمَعْنَى النَّاصِرِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا، وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: ١١]، وَلَكِنَّ الْمَالِكَ لَا يَسْتَنْصِرُ بِمَمْلُوكِهِ عَادَةً، وَيُذْكَرُ بِمَعْنَى ابْنِ الْعَمِّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنِّي خِفْت الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [مريم: ٥] وَلَكِنَّ نَسَبَ الْعَبْدِ مَعْرُوفٌ فَلَا احْتِمَالَ لِهَذَا الْمَعْنَى هُنَا، وَيُذْكَرُ بِمَعْنَى الْمُوَالَاةِ فِي الدِّينِ، وَلَكِنَّهُ نَوْعُ مَجَازٍ، وَالْمَجَازُ لَا يُعَارِضُ الْحَقِيقَةَ، وَيُذْكَرُ بِمَعْنَى الْمَوْلَى الْأَعْلَى وَذَلِكَ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ عِنْدَ الْإِضَافَةِ إلَى الْعَبْدِ فَيَتَعَيَّنُ الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ فَلِهَذَا عَتَقَ بِهِ فِي الْقَضَاءِ.
وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت بِهِ الْوِلَايَةَ فِي الدِّينِ أَوْ الْكَذِبَ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلِاحْتِمَالِ، وَلَمْ يَدِنْ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَإِنْ قَالَ يَا مَوْلَايَ، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَعْتِقُ بِهَذَا اللَّفْظِ إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ فِي مَوْضِعِ النِّدَاءِ يُقْصَدُ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute