الْإِكْرَامُ دُونَ التَّحْقِيقِ يُقَالُ: يَا سَيِّدِي، وَيَا مَوْلَايَ وَلَوْ قَالَ لَهُ: يَا سَيِّدِي، وَيَا مَالِكِي لَا يَعْتِقُ بِهِ بِدُونِ النِّيَّةِ فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ يَا مَوْلَايَ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْكَلَامُ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ مَا أَمْكَنَ، وَحَقِيقَةُ قَوْلِهِ يَا مَوْلَايَ لَا يَكُونُ إلَّا بِوَلَاءٍ لَهُ عَلَيْهِ، وَالْعِتْقُ مُتَعَيَّنٌ لِذَلِكَ فَهَذَا، وَقَوْلُهُ يَا حُرُّ يَا عَتِيقُ سَوَاءٌ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ يَا سَيِّدِي، وَيَا مَالِكِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ مَا يَخْتَصُّ بِإِعْتَاقِهِ إيَّاهُ، وَمِمَّا يَلْحَقُ بِالصَّرِيحِ هُنَا قَوْلُهُ لِمَمْلُوكِهِ، وَهَبْت نَفْسَك مِنْك أَوْ بِعْت نَفْسَك مِنْك فَإِنَّهُ يَعْتِقُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ هَذَا اللَّفْظِ إزَالَةُ مِلْكِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَوْجَبَهُ لِإِنْسَانٍ آخَرَ يَكُونُ مُزِيلًا لِمِلْكِهِ إلَيْهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهِ.
وَإِذَا أَوْجَبَهُ لِلْعَبْدِ يَكُونُ مُزِيلًا بِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ لَا إلَيْهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولِهِ، وَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ.
فَأَمَّا بَيَانُ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ: قَوْلُهُ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك فَإِنَّهُ مُحْتَمَلٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك فِي اللَّوْمِ، وَالْعُقُوبَةِ؛ لِأَنَّك وَفَيْت بِمَا أَمَرْتُك بِهِ، وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك؛ لِأَنِّي كَاتَبْتُك وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك؛ لِأَنِّي أَعْتَقْتُك، وَالْمُحْتَمَلُ لَا تَتَعَيَّنُ جِهَةٌ فِيهِ بِدُونِ النِّيَّةِ فَلَا يَعْتِقُ بِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْعِتْقَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك يُحْتَمَلُ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك لِأَنِّي بِعْتُك، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ قَدْ خَرَجْت مِنْ مِلْكِي يُحْتَمَلُ هَذَا الْمَعْنَى فَلَا يَعْتِقُ بِهِ مَا لَمْ يَنْوِ، وَيَدِينُ فِي الْقَضَاءِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَوْ قَالَ لَهُ أَطْلَقْتُك يَنْوِي بِهِ الْعِتْقَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يُذْكَرُ بِمَعْنَى التَّحْرِيرِ يُقَالُ: أَطْلَقْتُهُ مِنْ السِّجْنِ، وَحَرَّرْته إذَا خَلَّى سَبِيلَهُ؛ وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْإِطْلَاقَ مِنْ الرِّقِّ الَّذِي عَلَيْهِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ: لَا رِقَّ لِي عَلَيْك فَأَمَّا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ قَدْ طَلَّقْتُك، وَنَوَى بِهِ الْعِتْقَ لَمْ تَعْتِقْ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَعْتِقْ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ كَقَوْلِهِ قَدْ بِنْتِ مِنِّي أَوْ حُرِّمْت عَلَيَّ، أَوْ أَنْتِ خَلِيَّةٌ، أَوْ بَرِيَّةٌ، أَوْ بَائِنٌ، أَوْ بَتَّةٌ، أَوْ اُخْرُجِي أَوْ اُغْرُبِي، أَوْ اسْتَبْرِي، أَوْ تَقَنَّعِي أَوْ اذْهَبِي أَوْ قُومِي أَوْ اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا أَوْ قَالَ ذَلِكَ لِعَبْدِهِ، فَهُوَ كُلُّهُ عَلَى الْخِلَافِ، وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ صَرِيحَ مَا يَسْرِي كِنَايَةٌ فِيمَا يَسْرِي كَلَفْظِ التَّحْرِيرِ فِي الطَّلَاقِ مَعْنَى صَرِيحِ مَا يَسْرِي مَا وُضِعَ لِمَا يَسْرِي بِطَرِيقِ الْمُطَابَقَةِ كِنَايَةً لِمَا هُوَ وَصْفٌ، وَهُوَ كَوْنُهُ حُرًّا لِمَعْنَى آخَرَ هُوَ مُسَمًّى لِلَفْظٍ آخَرَ، وَتَقْرِيرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ لِلِاتِّصَالِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مَعْنَى طَرِيقٍ صَحِيحٍ فِي اللُّغَةِ يُقَالُ: لِلْبَلِيدِ حِمَارٌ وَلِلشُّجَاعِ أَسَدٌ لِلِاتِّصَالِ مَعْنًى، وَهُوَ الشَّجَاعَةُ وَالْبَلَادَةُ، وَبَيْنَ الْمِلْكَيْنِ اتِّصَالٌ مِنْ حَيْثُ الْمُشَابَهَةِ مَعْنًى؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِيهِ مَعْنَى الرِّقِّ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «النِّكَاحُ رِقٌّ».
وَلِأَنَّهُ يُسْتَبَاحُ بِكُلِّ، وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْوَطْءُ فِي مَحَلِّهِ، وَبَيْنَ الْإِزَالَتَيْنِ الِاتِّصَالُ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ كُلَّ، وَاحِدٍ مِنْهُمَا إبْطَالٌ لِلْمِلْكِ وَيَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute