الْمَحَلِّ بِصِفَةِ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لِلنَّسَبِ فِي مِلْكِهِ مِنْ حَيْثُ الْإِزَالَةِ، وَإِنَّمَا مُوجِبُهُ حُرْمَةُ الْمَحَلِّ ثُمَّ يَنْتَفِي بِهِ الْمِلْكُ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً، وَلَمْ يُعْتَبَرْ إقْرَارَهُ فِي حُرْمَةِ الْمَحَلِّ هُنَا لَمَّا كَانَتْ مَعْرُوفَةَ النَّسَبِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ لِعَبْدِهِ: هَذَا ابْنِي إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ لِلْبُنُوَّةِ مُوجَبًا فِي مِلْكِهِ، وَهُوَ زَوَالُ الْمِلْكِ بِهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ ابْنَهُ بِالشِّرَاءِ ثُمَّ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَيُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ فِيمَا يُقِرُّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ عِتْقُهُ عَلَيْهِ مِنْ حِينِ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِ الْمَوْلَى فَقَالَ: هَذَا ابْنِي لَمْ يَعْتِقْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَعَتَقَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْآخَرِ، وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ كَلَامَهُ مُحَالٌ فَيَلْغُو كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ، وَبَيَانُ الِاسْتِحَالَةِ أَنَّ قَوْلَهُ هَذَا ابْنِي أَيْ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِي، وَابْنُ خَمْسِينَ سَنَةً يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا مِنْ مَاءِ ابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً، وَبِهِ فَارَقَ مَعْرُوفُ النَّسَبِ فَإِنَّ كَلَامَهُ مُحْتَمَلٌ هُنَاكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ بِالزِّنَا أَوْ يَكُونَ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ بِالشُّبْهَةِ وَقَدْ اشْتَهَرَ نَسَبُهُ مِنْ الْغَيْرِ، أَلَا تَرَى أَنَّ أُمَّ الْغُلَامِ لَوْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ هُنَاكَ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَهُنَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ وَلِأَنَّ الْحَقِيقَةَ تُكَذِّبُهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ فَيَلْغُو خَبَرُهُ كَمَا لَوْ قَالَ لِصَبِيٍّ صَغِيرٍ فِي يَدِهِ هَذَا جَدِّي أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ هَذِهِ ابْنَتِي، أَوْ لِأَمَتِهِ هَذَا غُلَامِي، وَفِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ لَوْ قَالَ: قَطَعْت يَدَ فُلَانٍ، وَلَهُ عَلَيَّ الْأَرْشُ فَأَخْرَجَ فُلَانٌ يَدَهُ صَحِيحَةً لَمْ يَسْتَوْجِبْ شَيْئًا بِخِلَافِ مَعْرُوفِ النَّسَبِ فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ لَا تُكَذِّبُهُ هُنَاكَ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْآخَرِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِنَسَبِ مَمْلُوكِهِ طَائِعًا فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ لِمَعْرُوفِ النَّسَبِ: هَذَا ابْنِي وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ صَرِيحَ كَلَامِهِ مُحَالٌ كَمَا قَالَ، وَلَكِنْ لَهُ مَجَازٌ صَحِيحٌ، وَمَعْنَاهُ عَتَقَ عَلَيَّ مِنْ حِينِ مَلَكْته؛ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ سَبَبٌ لِهَذَا فَإِنَّهُ إذَا مَلَكَ ابْنَهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَيُجْعَلُ هَذَا السَّبَبُ كِنَايَةً عَنْ مُوجِبِهِ مَجَازًا، وَتَصْحِيحُ كَلَامِ الْعَاقِلِ وَاجِبٌ، وَلِلْعَرَبِ لِسَانَانِ: حَقِيقَةٌ، وَمَجَازٌ فَإِذَا تَعَذَّرَ تَصْحِيحُهُ بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ يُصَحَّحُ بِاعْتِبَارِ الْمَجَازِ.
، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَارِثَ إذَا أَعْتَقَ الْمُكَاتَبَ يُجْعَلُ إبْرَاءً مِنْهُ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَجَازِ إلَّا أَنَّهُمَا يَقُولَانِ الْمَجَازُ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الْأَصْلُ مُتَصَوَّرًا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمَجَازُ خَلَفًا عَنْهُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُكَاتَبِ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَكُونُ الْأَصْلُ مُتَصَوَّرًا لَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْمَجَازِ خَلَفًا عَنْهُ، وَهُنَا لَا تَصَوُّرَ لِلْأَصْلِ بِخِلَافِ مَعْرُوفِ النَّسَبِ، فَإِنَّ هُنَاكَ الْأَصْلُ مُتَصَوَّرٌ فَيَجُوزُ إثْبَاتُ الْمَجَازِ خَلَفًا عَنْهُ وَلَكِنَّ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: الْمَجَازُ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي التَّكَلُّمِ لَا فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ فِي إقَامَةِ كَلَامٍ مَقَامَ كَلَامٍ وَالْمَقْصُودُ تَصْحِيحُ الْكَلَامِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي تَصْحِيحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute