يَعْتِقْ أَيْضًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا الِاسْمِ مَعْرُوفًا لَهُ يَعْتِقُ بِهِ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَادَاهُ بِوَصْفٍ يَمْلِكُ إيجَابَهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ يَا ابْنِي فَإِنَّهُ نَادَاهُ بِوَصْفٍ لَا يَمْلِكُ إيجَابَهُ فَيُنْظَرُ إلَى مَقْصُودِهِ فِيهِ، وَهُوَ الْإِكْرَامُ دُونَ التَّحْقِيقِ، وَإِنْ قَالَ هَذَا ابْنِي، وَمِثْلُهُ يُولَدُ لِمِثْلِهِ عَتَقَ، وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ دَعْوَةُ النَّسَبِ، وَهُوَ تَصَرُّفٌ يَمْلِكُهُ الْمَوْلَى فِي مَمْلُوكِهِ.
فَإِذَا كَانَ الْمَحَلُّ مَحَلًّا قَابِلًا لِلنَّسَبِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى النَّسَبِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَالنَّسَبُ لَا يَثْبُتُ مَقْصُورًا عَلَى الْحَالِ بَلْ يَثْبُتُ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مَلَكَ وَلَدَهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ أَعْجَمِيًّا جَلِيبًا، أَوْ مُوَلَّدًا؛ لِأَنَّ صِحَّةَ دَعْوَةِ الْمَوْلَى شَرْعًا بِوَصْلَةِ الْمِلْكِ وَحَاجَةِ الْمَمْلُوكِ إلَى النَّسَبِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: هَذَا أَبِي أَوْ كَانَتْ أَمَةً فَقَالَ: هَذِهِ أُمِّي، وَمِثْلُهُمَا يَلِدُ مِثْلَهُ عِتْقًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبَوَانِ مَعْرُوفَانِ، وَصَدَّقَاهُ فِي ذَلِكَ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا فَقَدْ اُعْتُبِرَ تَصْدِيقُهُمَا فِي دَعْوَى الْأُبُوَّةِ، وَالْأُمُومَةِ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي دَعْوَى الْبُنُوَّةِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ مِنْ حَقِّ الْوَلَدِ، فَإِنَّهُ يَشْرُفُ بِهِ فَمُدَّعِي الْبُنُوَّةِ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمَحْمُولِيَّةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَصْدِيقِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يَلْزَمُ الْمُقِرَّ بِنَفْسِهِ فَأَمَّا مُدَّعِي الْأُبُوَّةِ، وَالْأُمُومَةِ يَحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَحْمِلُ نَسَبَهُ عَلَى غَيْرِهِ فَيَكُونُ مُدَّعِيًا، وَمُجَرَّدُ الدَّعْوَى لَا يَلْزَمُ شَيْئًا بِدُونِ الْحُجَّةِ فَلِهَذَا يَحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِهِمَا؛ وَلِأَنَّ مُدَّعِي الْأُبُوَّةِ، وَالْأُمُومَةِ يُخْبِرُ أَنَّهُ عَلِقَ مِنْ مَائِهِمَا، وَهُوَ غَيْبٌ عَنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِهِمَا، وَمُدَّعِي الْبُنُوَّةِ يُخْبِرُ أَنَّهُ عَلِقَ مِنْ مَائِهِ وَقَدْ يَعْرِفُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ عَاقِلًا عِنْدَ عُلُوقِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلْغُلَامِ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ، فَقَالَ هَذَا ابْنِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّهُ مُكَذَّبٌ فِيمَا قَالَ شَرْعًا حِينَ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الْغَيْرِ، وَلَكِنَّ هَذَا التَّكْذِيبِ فِي حُكْمِ النَّسَبِ دُونَ الْعِتْقِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْعِتْقِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا نَسَبَ لَهُ وَلِهَذَا قُلْنَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ إذَا قَالَ هَذَا أَبِي أَوْ أُمِّي، وَكَذَّبَاهُ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ تَكْذِيبِهِمَا فِي حُكْمِ النَّسَبِ دُونَ الْعِتْقِ: تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْمَمْلُوكَ مُسْتَغْنٍ عَنْ النَّسَبِ إذَا كَانَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَغْنٍ عَنْ الْحُرِّيَّةِ فَيَثْبُتُ بِكَلَامِهِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَمْلُوكُ دُونَ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: هَذِهِ ابْنَتِي وَهِيَ مَعْرُوفَةُ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ هُنَاكَ صَارَ مُكَذَّبًا فِي حُكْمِ النَّسَبِ شَرْعًا، وَلَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِأَنْ قَالَ: غَلِطْت لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَسَبٌ مَعْرُوفٌ فَكَذَلِكَ إذَا صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا، وَهُنَا لَوْ أَكْذَبَ الْمَوْلَى نَفْسَهُ فِي حَقِّ مَنْ لَا نَسَبَ لَهُ كَانَ الْعِتْقُ ثَابِتًا فَكَذَلِكَ إذَا صَارَ مُكَذَّبًا فِي النَّسَبِ شَرْعًا.
وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ فِي قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ هَذِهِ ابْنَتِي غَيْرُ مُقِرٍّ عَلَى نَفْسِهِ بِشَيْءٍ، وَلَكِنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute