لِأَنَّ لَفْظَ الْبَيْعِ مَوْضُوعٌ لِلتَّمْلِيكِ، وَالْمَنَافِعُ مَعْدُومَةٌ لَا تَقْبَلُ التَّمْلِيكَ.
وَلِهَذَا لَوْ أَضَافَ لَفْظَةَ الْإِجَارَةِ إلَى الْمَنْفَعَةِ وَقَالَ أَجَّرْتُك مَنْفَعَةَ هَذِهِ الدَّارِ لَا يَجُوزُ، وَإِذَا أَضَافَ لَفْظَ الْبَيْعِ إلَى عَيْنِ الدَّارِ فَهُوَ عَامِلٌ بِحَقِيقَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَابِلٌ لِلْبَيْعِ فَلَا تُجْعَلُ كِنَايَةً عَنْ الْإِجَارَةِ لِهَذَا وَلَا مَعْنَى لِمَا قَالَهُ: إنَّهُ ذَكَرَ الْمُوجَبَ، وَعَنَى بِهِ الْمُوجِبَ؛ لِأَنَّ الْمُوجَبَ حُكْمٌ، وَالْحُكْمُ لَا يَصْلُحُ كِنَايَةً عَنْ السَّبَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ بِدُونِ السَّبَبِ، وَالسَّبَبُ يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْحُكْمِ فَكَانَ الْحُكْمُ كَالتَّبَعِ، وَالْأَصْلُ يُسْتَعَارُ لِلتَّبَعِ، وَلَا يُسْتَعَارُ التَّبَعُ لِلْأَصْلِ لِافْتِقَارِ التَّبَعِ إلَى الْأَصْلِ وَاسْتِغْنَاءِ الْأَصْلِ عَنْ التَّبَعِ.
وَفِي قَوْلِهِ اعْتَدِّي، وُقُوعُ الطَّلَاقِ لَيْسَ بِهَذَا الطَّرِيقِ بَلْ بِطَرِيقِ الْإِضْمَارِ حَتَّى يَقَعَ الطَّلَاقُ بِهِ عَلَى غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَذَلِكَ اللَّفْظُ عَامِلٌ بِحَقِيقَتِهِ عِنْدَنَا لَا أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً بِطَرِيقِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْمُوجَبَ وَعَنَى بِهِ الْمُوجِبَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ يُنَافِي النِّكَاحَ ابْتِدَاءً، وَبَقَاءً، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ هُنَا فَإِنَّ حُرْمَةَ الْأَمَةِ عَلَيْهِ لَا يُنَافِي الْمِلْكَ ابْتِدَاءً، وَبَقَاءً كَمَا فِي الْمَجُوسِيَّةِ، وَالْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك وَنَوَى الْعِتْقَ لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ انْتِفَاءِ سُلْطَانِهِ عَنْهُ انْتِفَاءُ الْمِلْكِ، كَالْمُكَاتَبِ، فَإِنَّهُ لَا سُلْطَانَ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ وَهُوَ مَمْلُوكٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا: سَبِيلَ لِي عَلَيْك فَإِنَّ مِنْ ضَرُورَةِ انْتِفَاءِ السَّبِيلِ عَنْهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ - الْعِتْقَ؛ لِأَنَّ لَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ سَبِيلًا مِنْ حَيْثُ الْمُطَالَبَةِ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ حَتَّى إذَا انْتَفَى ذَلِكَ بِالْبَرَاءَةِ عَتَقَ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ لِلَّهِ لَمْ يَعْتِقْ، وَإِنْ نَوَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي مَقَالَتِهِ.
فَالْمَخْلُوقَاتُ كُلُّهَا لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَعْتِقُ بِهِ إذَا نَوَى؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ: أَنْتَ خَالِصٌ لِلَّهِ بِانْتِفَاءِ مِلْكِهِ عَنْهُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ يَا بُنَيَّ، أَوْ لِأَمَتِهِ يَا بُنَيَّةُ لَمْ تَعْتِقْ؛ لِأَنَّ هَذَا دُعَاءٌ، وَلُطْفٌ مِنْهُ، مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ فِي مَوْضِعِ النِّدَاءِ يُقْصَدُ بِهِ اسْتِحْضَارُ الْمُنَادَى وَإِكْرَامُهُ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ يَا بُنَيَّ تَصْغِيرُ الِابْنِ، وَلَوْ قَالَ يَا ابْنٌ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي مَقَالَتِهِ، فَإِنَّهُ ابْنٌ لِأَبِيهِ، وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ فِي قَوْلِهِ يَا ابْنِي وَلَا يَعْتِقُ بِهَذَا اللَّفْظِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ جَعَلَهُ كَقَوْلِهِ يَا حُرُّ، وَلَكِنْ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ فِي مَوْضِعِ النِّدَاءِ لِاسْتِحْضَارِ الْمُنَادَى وَتَفْهِيمِهِ لِيَحْضُرَ، وَذَلِكَ بِصُورَةِ اللَّفْظِ لَا بِمَعْنَاهُ، وَوُقُوعُ الْعِتْقِ بِهَذَا اللَّفْظِ لِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْبُنُوَّةِ فَلِهَذَا لَا يَعْتِقُ بِهِ عِنْدَ النِّدَاءِ حَتَّى لَوْ جَعَلَ اسْمَ عَبْدِهِ حُرًّا، وَكَانَ ذَلِكَ مَعْرُوفًا عِنْدَ النَّاسِ ثُمَّ نَادَاهُ بِهِ فَقَالَ يَا حُرُّ لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute