للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْتِقُ عَلَيْهِ لِتَمَامِ عِلَّةِ الْعِتْقِ وَهُوَ الْمِلْكُ مَعَ الْقَرَابَةِ فَإِنَّ الصَّغِيرَ يَمْلِكُ حَقِيقَةً، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ صِفَةُ الْغِنَى بِمِلْكِهِ حَتَّى يَحْرُمَ عَلَيْهِ أَخْذُ الصَّدَقَةِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَالِكُ كَافِرًا وَالْمَمْلُوكُ مُسْلِمًا، أَوْ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مَعَ الْقَرَابَةِ يَتَحَقَّقُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ، وَبِهِمَا تَمَامُ عِلَّةِ الْعِتْقِ بِخِلَافِ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ ذَلِكَ بِصِفَةِ الْوِرَاثَةِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: ٢٣٣] مَعْنَاهُ: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ مَعْنَاهُ: وَعَلَى الْوَارِثِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، وَبِسَبَبِ اخْتِلَافِ الدِّينِ يَنْعَدِمُ صِفَةُ الْوِرَاثَةِ فَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ بِخِلَافِ الْآبَاءِ وَالْأَوْلَادِ فَالِاسْتِحْقَاقُ هُنَاكَ بِالْوِلَادِ قَالَ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٣] وَبِسَبَبِ اخْتِلَافِ الدِّينِ لَا يَنْعَدِمُ الْوِلَادُ، فَهَذَا بَيَانُ مَعْنَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْفُصُولِ فَإِنْ مَلَكَهُ الرَّجُلُ مَعَ آخَرَ عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْهُ وَسَعَى الْعَبْدُ لَلشَّرِيكِ فِي نَصِيبِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي عَتَقَ مِنْ قِبَلِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَيَسْعَى الْعَبْدُ لِشَرِيكِهِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا.

وَكَذَلِكَ لَوْ مَلَكَاهُ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ وَصِيَّةٍ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا إنَّ الْقَرِيبَ بِالشِّرَاءِ صَارَ مُعْتِقًا لِنَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ، وَلِهَذَا تَتَأَدَّى بِهِ الْكَفَّارَةُ، وَالْمُعْتِقُ ضَامِنٌ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ إذَا كَانَ مُوسِرًا كَمَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَاشْتَرَى قَرِيبُ الْعَبْدِ نَصِيبَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْهُ يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ الَّذِي لَمْ يَبِعْ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الشَّرِيكِ مَعَهُ رِضًا مِنْهُ بِاَلَّذِي يَكُونُ بِهِ الْعِتْقُ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ ضَمَانَ الْعِتْقِ يَجِبُ بِالْإِتْلَافِ وَالْإِفْسَادِ، وَالرِّضَا بِالسَّبَبِ يَمْنَعُ وُجُوبَ مِثْلِ هَذَا الضَّمَانِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ الْغَيْرِ بِإِذْنِهِ، وَفِي إثْبَاتِ الرِّضَا هُنَا نَوْعَانِ مِنْ الْكَلَامِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَمَّا سَاعَدَ شَرِيكَهُ عَلَى الْقَبُولِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ قَبُولَ شَرِيكِهِ مُوجِبٌ لِلْعِتْقِ فَقَدْ صَارَ رَاضِيًا بِعِتْقِهِ عَلَى شَرِيكِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ اسْتَأْذَنَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ صَاحِبِهِ فِي أَنْ يَعْتِقَ نَصِيبَهُ فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَالثَّانِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَيْنِ صَارَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ لِاتِّحَادِ الْإِيجَابِ مِنْ الْبَائِعِ، وَلِهَذَا لَوْ قَبِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَصِحَّ قَبُولُهُ، وَلَمْ يَمْلِكْ نَصِيبَهُ بِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَاضٍ بِالتَّمْلِيكِ فِي نَصِيبِهِ فَيَكُونُ رَاضِيًا بِالتَّمْلِيكِ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ أَيْضًا لِمَا سَاعَدَهُ عَلَى الْقَبُولِ بَلْ يَصِيرُ مُشَارِكًا لَهُ فِي السَّبَبِ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَالْمُشَارَكَةُ فِي السَّبَبِ فَوْقَ الرِّضَا بِهِ إلَّا أَنَّ بِهَذَا السَّبَبِ تَتِمُّ عِلَّةُ الْعِتْقِ فِي الْحَقِّ الْقَرِيبِ، وَهُوَ الْمِلْكُ لَا تَتِمُّ عِلَّةُ الْعِتْقِ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ فَكَانَ الْقَرِيبُ مُعْتِقًا دُونَ الْأَجْنَبِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>