- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَفِي هَذَا إشَارَةٌ أَنَّ الْعِتْقَ يَتَجَزَّأُ فِي الْحُكْمِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَنَّهُ يَجِبُ إتْمَامُهُ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِدَامَةُ الرِّقِّ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ كَمَا هُوَ فَتْوَى مَسْرُوقٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ قَالَ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ، وَعَنْ أَبِي يَحْيَى الْأَعْرَجِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْعَى الْعَبْدُ فِي الدَّيْنِ»، وَالْمُرَادُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَحْوُهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: تَسْعَى الْأَمَةُ فِي ثَمَنِهَا يَعْنِي فِي قِيمَتِهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ، وَالْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ فَوَجَبَ رَدُّهُ لِقِيَامِ الدَّيْنِ، وَلَكِنَّ الْعِتْقَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَالرِّقُّ بَعْدَ سُقُوطِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْعَوْدَ فَكَانَ الرَّدُّ بِإِيجَابِ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ.
وَعَنْ إبْرَاهِيمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: إذَا كَانَ وَصِيَّةٌ، وَعِتْقٌ بُدِئَ بِالْعِتْقِ، وَهَكَذَا عَنْ شُرَيْحٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ أَقْوَى سَبَبًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ بِنَفْسِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْتَمِلُ الرَّدَّ وَالرُّجُوعَ عَنْهُ، وَالتَّرْجِيحُ بِقُوَّةِ السَّبَبِ أَصْلٌ، وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ نَصْرَانِيًّا يُدْعَى بُجَيْسُ، وَقَالَ: لَوْ كُنْت عَلَى دِينِنَا لَاسْتَعَنَّا بِك عَلَى بَعْضِ أَعْمَالِنَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إعْتَاقَ النَّصْرَانِيِّ قُرْبَةٌ، وَأَنَّهُمْ لَا يُؤْتَمَنُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ لَا يُؤَدُّونَ الْأَمَانَةَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ أَنْكَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَلِكَ عَلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ لَهُ: مُرْ كَاتِبَك لِيَكْتُبَ لَنَا كَذَا قَالَ: إنَّ كَاتِبِي لَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَالَ أَجُنُبٌ هُوَ قَالَ لَا، وَلَكِنَّهُ نَصْرَانِيٌّ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ، أَمَا سَمِعْتَ اللَّهَ يَقُولُ {: لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} [آل عمران: ١١٨].
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ نَصْرَانِيًّا فَمَاتَ الْعَبْدُ فَجَعَلَ مِيرَاثَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ، وَإِنْ مَاتَ، وَلَا وَارِثَ لَهُ فَحِصَّةُ مَالِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ أَمَةً فَجَرَتْ فَوَلَدَتْ مِنْ الزِّنَا فَأَعْتَقَهَا ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَأَعْتَقَ وَلَدَهَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِعِتْقِ وَلَدِ الزِّنَا، وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ أَوْصَى بِوَلَدِ الزِّنَا خَيْرًا، وَأَوْصَى بِهِمْ أَنْ يُعْتَقُوا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ لَهُ مِنْ الْحُرْمَةِ مَا لِسَائِرِ بَنِي آدَمَ وَلَا ذَنْبَ لَهُمْ، وَإِنَّمَا الذَّنْبُ لِآبَائِهِمْ كَمَا ذُكِرَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا كَانَتْ تَتَأَوَّلُ فِي أَوْلَادِ الزِّنَا {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] وَذُكِرَ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَعَامِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَا لَا يُجْزِئُ وَلَدُ الزِّنَا فِي النَّسَمَةِ الْوَاجِبَةِ، وَكَأَنَّهُمَا تَأَوَّلَا فِي ذَلِكَ «قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَدُ الزِّنَا شَرُّ الثَّلَاثَةِ» وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِقَوْلِهِمَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِتَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ، وَأَكْثَرُ الْمَمَالِيكُ لَا تُعْرَفُ آبَاؤُهُمْ عَادَةً، وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ: شَرُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute