بِمَحَلٍّ لِلْعِتْقِ فَيَتَعَيَّنُ فِي الْقَائِمِ ضَرُورَةً، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا أَوْ وَهَبَهُ؛ لِأَنَّهُ اكْتَسَبَ فِيهِ سَبَبَ التَّمْلِيكِ، وَالْمُعْتَقُ لَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ فَمِنْ ضَرُورَةِ اكْتِسَاب سَبَبِ التَّمْلِيكِ فِيهِ نَفْيُ الْعِتْقِ عَنْهُ، وَذَلِكَ يُخْرِجُهُ مِنْ مُزَاحَمَةِ الْآخَرِ فِي ذَلِكَ الْعِتْقِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْعَاقِلِ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ، وَمِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ هَذَا، انْتِفَاءُ ذَلِكَ الْعِتْقِ عَنْ هَذَا الْمَحَلِّ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَبَّرَ أَحَدَهُمَا صَحَّ تَدْبِيرُهُ؛ لِأَنَّهُمَا مَمْلُوكَاهُ فِي الظَّاهِرِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ التَّدْبِيرِ انْتِفَاءُ ذَلِكَ الْعِتْقِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَقَ لَا يُدَبَّرُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ بِالشَّرْطِ، وَالْعِتْقُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ غَيْرُ مُتَعَدِّدٍ فَمِنْ ضَرُورَةِ تَنَجُّزِهِ، بُطْلَانُ التَّعَلُّقِ بِالْمَوْتِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ تَعْلِيقِهِ بِالْمَوْتِ انْتِفَاءُ تَنَجُّزِ الْعِتْقِ فِيهِ قَبْلَهُ.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَا أَمَتَيْنِ فَوَطِئَ إحْدَاهُمَا فَعَلِقَتْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ، وَلَدٍ لَهُ فَمِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ، وَاسْتِحْقَاقِ الْعِتْقِ بِهَا انْتِفَاءُ الْعِتْقِ الْمُنَجَّزِ عَنْهَا، وَإِذَا انْتَفَى عَنْ إحْدَاهُمَا تَعَيَّنَ فِي الْأُخْرَى لِزَوَالِ الْمُزَاحَمَةِ، وَلَوْ، وَطِئَ إحْدَاهُمَا، وَلَمْ تَعْلَقْ مِنْهُ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَتَعَيَّنُ الْعِتْقُ فِي الْأُخْرَى بَلْ يَبْقَى خِيَارُهُ فِي الْبَيَانِ: وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْوَطْءَ تَصَرُّفٌ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْمِلْكِ فَإِقْدَامُهُ عَلَيْهِ فِي إحْدَاهُمَا دَلِيلُ تَعْيِينِ الْمِلْكِ فِيهَا، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ انْتِفَاءُ ذَلِكَ الْعِتْقِ عَنْهَا فَتَعَيَّنَ فِي الْأُخْرَى، وَقَاسَا بِمَا بَيَّنَّا فِي التَّصَرُّفَاتِ وَبِمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ وَطِئَ إحْدَاهُمَا تَعَيَّنَ الطَّلَاقُ فِي الْأُخْرَى، وَهَذَا؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُسْلِمِ مَحْمُولٌ عَلَى الْحِلِّ مَا أَمْكَنَ؛ لِأَنَّ عَقْلَهُ، وَدِينَهُ يَمْنَعُهُ مِنْ الْحَرَامِ، وَوَطْؤُهُمَا جَمِيعًا لَيْسَ بِحَلَالٍ لَهُ حَتَّى لَا يُفْتَى لَهُ بِذَلِكَ فَكَانَ مِنْ ضَرُورَةِ حِلِّ الْوَطْءِ فِي إحْدَاهُمَا انْتِفَاءُ الْعِتْقِ عَنْهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ، وَطِئَهَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ يَصِيرُ فَاسِخًا لِلْبَيْعِ، وَهُنَاكَ الْجَارِيَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ، وَوَطْؤُهَا حَلَالٌ لَهُ ثُمَّ كَانَ مِنْ ضَرُورَةِ الْإِقْدَامِ عَلَى الْوَطْءِ انْتِفَاءُ سَبَبِ الْمُزِيلِ عَنْهَا فَهُنَا أَوْلَى، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ إحْدَى الْأَمَتَيْنِ، وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ وَطِئَ إحْدَاهُمَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ الْبَيْعَ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فَوَطِئَ إحْدَاهُمَا تَعَيَّنَ الْبَيْعُ فِيهَا لِإِثْبَاتِ صِفَةِ الْحِلِّ لِفِعْلِهِ فَهَذَا قِيَاسُهُ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ، وَطْؤُهُمَا جَمِيعًا مَمْلُوكٌ لَهُ، وَالْوَطْءُ فِي الْمِلْكِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِخْدَامِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةِ لَيْسَ فِي الْوَطْءِ إلَّا اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ الْمُفَارَقَةُ بَيْنَهُمَا مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَبَقِيَ فِي الْمِلْكِ الْوَطْءُ نَظِيرُ الِاسْتِخْدَامِ، وَبَيَانُ أَنَّ وَطْأَهُمَا مَمْلُوكٌ لَهُ، أَمَّا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمِ؛ فَلِأَنَّهُمَا لَوْ وَطِئَهُمَا بِالشُّبْهَةِ كَانَ الْوَاجِبُ عَقْرَ الْمَمْلُوكَتَيْنِ، وَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute