لِلْمَوْلَى وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْبَدَلَ الْأَصْلُ، وَمِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةِ؛ فَلِأَنَّهُمَا كَانَتَا مَمْلُوكَتَيْنِ لَهُ قَبْلَ إيجَابِ الْعِتْقِ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ الْعِتْقَ فِي نَكِرَةٍ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهَا مَعْرِفَةٌ، وَالْمُنْكَرُ غَيْرُ الْمَعْرُوفِ فَلَا يَجُوزُ إيجَابُ الْعِتْقِ فِي الْمُعَيَّنِ قَبْلَ بَيَانِهِ؛ لِأَنَّهُ إيجَابٌ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ الَّذِي أَوْجَبَهُ، وَلَا يَقُولُ هُوَ فِي الذِّمَّةِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ لِأَنَّهُ مَا أَوْجَبَهُ فِي الذِّمَّةِ وَلَكِنْ يَقُولُ هُوَ فِي الْمُنْكَرِ كَمَا أَوْجَبَهُ، وَعَدَمُ التَّعَيُّنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِيجَابِ فِيمَا هُوَ أَضْيَقُ مِنْ هَذَا مَعْنًى حَتَّى لَوْ بَاعَ قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ جَازَ فَلَأَنْ لَا يَمْنَعَ صِحَّةَ الْإِيجَابِ هُنَا أَوْلَى، وَلَكِنَّ الْإِيجَابَ فِي الْمُنْكَرِ كَالْمُتَعَلِّقِ بِشَرْطِ الْبَيَانِ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ، وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ يَمْنَعُ الْوُصُولَ إلَى الْمَحَلِّ، وَفِيمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ كَالْبَيْعِ الْمُعْتَبَرِ انْتِفَاءُ مَعْنَى الْمُنَازَعَةِ لِصِحَّةِ الْإِيجَابِ، فَإِذَا بَقِيَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَمْلُوكَةً لَهُ عَيْنًا بَقِيَ، وَطْءُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَمْلُوكًا لَهُ وَلَكِنْ لَا يُفْتَى بِالْحِلِّ؛ لِأَنَّ الْمُنَكَّرَ الَّذِي وَجَبَ فِيهِ الْعِتْقُ فِيهِمَا، وَالْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَلِهَذَا لَا يُفْتَى بِحِلِّ، وَطْئِهِمَا لَهُ، وَإِنْ كَانَ وَطْؤُهُمَا مَمْلُوكًا لَهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لَيْسَ إلَّا مِلْكُ الْحِلِّ.
وَالطَّلَاقُ مُوجِبُهُ الْأَصْلِيُّ حُرْمَةُ الْمَحَلِّ، وَلَا يَجْتَمِعُ الْوَصْفَانِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ بَاقِيًا لَهُ فِي الْمَوْطُوءَةِ انْتِفَاءُ التَّطْلِيقَاتِ عَنْهَا فَيَتَعَيَّنُ فِي الْأُخْرَى، وَأَمَّا الْعِتْقُ يُزِيلُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ، وَحِلُّ الْوَطْءِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ لَا بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ فِي مَحَلِّ انْتِفَاءِ الْعِتْقِ عَنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ، وَلَا يُقَالُ: هُنَا لَا سَبَبَ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ إلَّا مِلْكُ الرَّقَبَةِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ انْتِفَاءِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ انْتِفَاءُ مِلْكِ الْمُتْعَةِ الثَّابِتِ بِسَبَبِهِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ طَرِيقُهُ طَرِيقَ الضَّرُورَةِ تُعْتَبَرُ فِيهِ الْجُمْلَةُ، لَا الْأَحْوَالُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَقُطِعَتْ يَدُ الْوَلَدِ وَأَخَذَ الْمُشْتَرِي الْأَرْشَ ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ نَسَبَ الْوَلَدِ بَطَلَ الْبَيْعُ، وَحُكِمَ بِحُرْمَةِ الْأَصْلِ لِلْوَلَدِ، وَبَقِيَ الْأَرْشُ سَالِمًا لِلْمُشْتَرِي، وَلَا سَبَبَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِمِلْكِهِ الْأَرْشَ سِوَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ ثُمَّ نُظِرَ إلَى الْجُمْلَةِ دُونَ الْأَحْوَالِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى لَحْمًا فَأَخْبَرَهُ عَدْلٌ أَنَّهُ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَنَاوُلُهُ، وَسَبَبُ الْمِلْكِ هُنَا مِلْكُ الْعَيْنِ، وَلَمَّا كَانَ حِلُّ التَّنَاوُلِ يَثْبُتُ فِي الطَّعَامِ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ نُظِرَ إلَى الْجُمْلَةِ دُونَ الْأَحْوَالِ بِخِلَافِ حِلِّ الْوَطْءِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مِلْكِ الْمُتْعَةِ، وَالْحُرِّيَّةِ فِي مَحَلِّ، وَاحِدٍ ابْتِدَاءً، وَبَقَاءً فِي الْجُمْلَةِ، وَأَكْثَرُ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ إقْدَامُهُ عَلَى الْوَطْءِ دَلِيلُ بَقَاءِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ لَهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ مُنَافَاةَ الْحُرِّيَّةِ عَنْهُ ضَرُورَةً: تَوْضِيحُهُ أَنَّ وَطْءَ إحْدَاهُمَا دَلِيلُ الْحُرْمَةِ فِي الْأُخْرَى، وَالتَّصْرِيحُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute