بِالْحُرْمَةِ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ بِأَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ فَكَذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحُرْمَةِ فِي الْأُخْرَى يَحْصُلُ بِهِ الْبَيَانُ فَأَمَّا التَّصْرِيحُ بِالْحُرْمَةِ لَا يَنْزِلُ بِهِ الْعِتْقُ فَكَذَلِكَ الْبَيَانُ لَا يَحْصُلُ بِمَا يَكُونُ دَلِيلَ الْحُرْمَةِ فِي إحْدَاهُمَا؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ فِي حَقِّ الْمَحَلِّ كَالْإِيجَابِ ابْتِدَاءً، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ بَعْدَ الْمَوْتِ فَأَمَّا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَلَوْ لَمْ يَجْعَلْهُ فَاسِخًا لِلْبَيْعِ بِالْوَطْءِ لَكَانَ إذَا جَازَ الْبَيْعُ يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ وُطِئَتْ بِالشُّبْهَةِ كَانَ الْأَرْشُ لِلْمُشْتَرِي فَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ الْبَائِعَ، وَطِئَهَا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَلِهَذَا جَعَلْنَاهُ بَيَانًا وَهُنَا لَوْ عَيَّنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَوْطُوءَةِ لَا يَتَبَيَّنُ انْعِدَامُ مِلْكِهِ فِيهَا سَابِقًا عَلَى الْوَطْءِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ يَكُونُ الْأَرْشُ سَالِمًا لِلْمَوْلَى، وَإِنْ عَيَّنَ الْعِتْقَ فِيهَا مَعَ أَنَّ فَسْخَ الْبَيْعِ هُنَاكَ يَحْصُلُ بِالْجِنَايَةِ، وَهُنَا لَا يَحْصُلُ بِجِنَايَتِهِ عَلَى إحْدَاهُمَا بِالْبَيَانِ فَكَذَلِكَ بِالْوَطْءِ، وَكَذَلِكَ فِي بَيْعِ إحْدَى الْأَمَتَيْنِ، أَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي؛ فَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إحْدَاهُمَا إلَّا بَعْدَ تَعْيِينِ الْبَيْعِ فِيهَا، وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ؛ فَلِأَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ الْبَيْعَ فِيهَا بَعْدَ الْوَطْءِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ، وَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ وَطِئَهَا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَلِلتَّحَرُّزِ عَنْ هَذَا تَعَيَّنَ الْبَيْعُ فِي الْأُخْرَى ضَرُورَةً، وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَوْ قَبَّلَ إحْدَاهُمَا، أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ، أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا فَكَذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ لَا تَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ كَالْوَطْءِ، وَلَوْ أَعْتَقَ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا ثُمَّ قَالَ: إيَّاهَا كُنْت عَنَيْت بِذَلِكَ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ كَانَ مُصَدَّقًا أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -؛ فَلِأَنَّ الْعِتْقَ الْأَوَّلَ فِي حَقِّ الْعَيْنِ لَمْ يَكُنْ نَازِلًا حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَوْقِعْ، فَكَانَ هَذَا إيقَاعًا لِذَلِكَ الْعِتْقِ فِي الْعَيْنِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هُوَ نَازِلٌ فِي إحْدَاهُمَا حَتَّى يُقَالَ لَهُ: بَيِّنْ، عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ، وَلَكِنَّ لَفْظَهُ فِي الْإِيقَاعِ، وَالْبَيَانِ يَتَقَارَبُ، وَالْبَيَانُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فَيُحْمَلُ فِعْلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُسْتَحَقِّ.
وَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِهِ الْإِيقَاعَ ابْتِدَاءً صَحَّ إيقَاعُهُ؛ لِأَنَّهَا بَقِيَتْ عَلَى مِلْكِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ مَحَلًّا قَابِلًا لِتَصَرُّفِهِ، وَبِتَقَرُّرِ إيقَاعِهِ تَخْرُجُ عَنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِذَلِكَ الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ فَيَتَعَيَّنُ فِي الْأُخْرَى كَمَا لَوْ دَبَّرَ إحْدَاهُمَا، وَلَوْ فَقَأَ رَجُلٌ عَيْنَ إحْدَاهُمَا فَالْمَوْلَى عَلَى خِيَارِهِ؛ لِأَنَّ الْمَفْقُوءَ عَيْنُهَا مَحَلٌّ لِلْعِتْقِ كَالْأُخْرَى وَسَوَاءٌ أَوْقَعَ الْعِتْقَ عَلَيْهَا، أَوْ عَلَى الْأُخْرَى فَالْوَاجِبُ عَلَى الْفَاقِئِ أَرْشُ عَيْنِ الْأَمَةِ لِلْمَوْلَى، أَمَّا إذَا أَوْقَعَ عَلَى الْأُخْرَى فَلَا إشْكَالَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَوْقَعَ عَلَى الْمَفْقُوءِ عَيْنُهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً حِينَ فُقِئَتْ عَيْنُهَا فَصَارَ أَرْشُ عَيْنِ الْمَمْلُوكَةِ مُسْتَحَقًّا لِلْمَوْلَى، ثُمَّ إيقَاعُ الْعِتْقِ عَلَيْهَا يَعْمَلُ فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا دُونَ مَا فَاتَ، وَنَظِيرُهُ أَرْشُ الْيَدِ فِي، وَلَدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute