للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَجَزَّأُ حَتَّى إنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي إنْ شَاءَ أَعْتَقَهُ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَاهُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ، وَمَا لَمْ يُؤَدِّ السِّعَايَةَ فَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - يَعْتِقُ كُلُّهُ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ عَبْدِهِ فَهُوَ حُرٌّ كُلُّهُ لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ شَرِيكٌ»، وَفِي الْكِتَابِ ذُكِرَ هَذَا اللَّفْظُ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْعِتْقَ إسْقَاطٌ لِلرِّقِّ، وَالرِّقُّ لَا يَتَجَزَّأُ ابْتِدَاءً، وَبَقَاءً فَإِسْقَاطُهُ بِالْعِتْقِ لَا يَتَجَزَّأُ أَيْضًا كَمَا أَنَّ الْحِلَّ لَمَّا كَانَ لَا يَتَجَزَّأُ ابْتِدَاءً، وَبَقَاءً فَإِبْطَالُهُ بِالطَّلَاقِ لَا يَتَجَزَّأُ، وَبَيَانُهُ أَنَّ فِعْلَهُ إعْتَاقٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِانْفِعَالِ الْعِتْقِ فِي الْمَحَلِّ، وَبَعْدَ انْفِعَالِ الْعِتْقِ فِي بَعْضِ الشَّخْصِ لَوْ بَقِيَ الرِّقُّ فِي شَيْءٍ مِنْهُ كَانَ فِي ذَلِكَ تَجَزِّي الرِّقُّ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَإِنَّ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَى الْعِتْقِ مِنْ الْأَحْكَامِ يُضَادَّ أَحْكَامَ الرِّقِّ مِنْ تَكْمِيلِ الْحُدُودِ، وَالْأَهْلِيَّةِ لِلشَّهَادَاتِ، وَالْإِرْثِ، وَالْوِلَايَاتِ وَلَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ؛ وَلِأَنَّ اتِّصَالَ أَحَدِ النِّصْفَيْنِ بِالْآخَرِ أَقْوَى مِنْ اتِّصَالِ الْجَنِينِ بِالْأُمِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِغَرَضِ الْفَصْلِ، ثُمَّ إعْتَاقُ الْأُمِّ يُوجِبُ عِتْقَ الْجَنِينِ لَا مَحَالَةَ فَإِعْتَاقُ أَحَدِ النِّصْفَيْنِ لَأَنْ يُوجِبَ عِتْقَ النِّصْفِ الْآخَرِ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ يُوجِبُ حَقَّ الْعِتْقِ، وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَحَقِيقَةُ الْعِتْقِ أَوْلَى.

وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِحَدِيثِ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مَا عَتَقَ، وَرَقَّ مَا رَقَّ»، وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يُعْتِقُ الرَّجُلُ مِنْ عَبْدِهِ مَا شَاءَ وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَهُوَ حُرٌّ كُلُّهُ سَيَصِيرُ حُرًّا كُلُّهُ بِإِخْرَاجِ الْبَاقِي إلَى الْحُرِّيَّةِ بِالسِّعَايَةِ، فَيَكُونُ فِيهِ بَيَانًا أَنَّهُ لَا يُسْتَدَامُ الرِّقُّ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ، وَهُوَ مَذْهَبُنَا؛ وَلِأَنَّ هَذَا إزَالَةُ مِلْكِ الْيَمِينِ، فَيُجْزِئُ فِي الْمَحَلِّ كَالْبَيْعِ، وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ نُفُوذَ تَصَرُّفِ الْمَالِكِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ، وَهُوَ مَالِكٌ لِلْمَالِيَّةِ دُونَ الرِّقِّ فَالرِّقُّ اسْمٌ لِضَعْفٍ ثَابِتٍ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ مُجَازَاةً وَعُقُوبَةً عَلَى كُفْرِهِمْ، وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ التَّمَلُّكَ كَالْحَيَاةِ إلَّا أَنَّ بَقَاءَ مِلْكِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِبَقَاءِ صِفَةِ الرِّقِّ فِي الْمَحَلِّ كَمَا لَا يَكُونُ حَيًّا إلَّا بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْحَيَاةِ فِي الْمَحَلِّ فَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَيَاةَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَالِيَّةَ، وَمِلْكُ الْمَالِيَّةِ يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ فَإِنَّمَا يَزُولُ بِقَدْرِ مَا يُزِيلُهُ، وَلِهَذَا لَا يَعْتِقُ شَيْءٌ مِنْهُ بِإِعْتَاقِ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَتَّى كَانَ مُعْتَقُ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ إلَّا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا عَجَزَ يُرَدُّ فِي الرِّقِّ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَاكَ عَقْدٌ مُحْتَمِلٌ لِلْفَسْخِ.

وَهَذَا إذَا عَجَزَ عَنْ السِّعَايَةِ لَا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>