نَصِيبَهُ فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ اسْتِدَامَةُ مِلْكِهِ، وَالتَّصَرُّفُ فِي نَصِيبِهِ، وَضَمَانُ الْإِفْسَادِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ، وَالْعُسْرَةِ، أَوْ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى الْمُعْتِقِ ضَمَانٌ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ وَالْمُتَصَرِّفُ فِي مِلْكِهِ لَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا، وَلَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ، وَإِنْ تَعَدَّى ضَرَرُ تَصَرُّفِهِ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، كَمَنْ سَقَى أَرْضَهُ فَنَزَّتْ أَرْضُ جَارِهِ أَوْ أَحْرَقَ الْحَصَائِدَ فِي أَرْضِهِ فَاحْتَرَقَ شَيْءٌ مِنْ مِلْكِ جَارِهِ.
وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَيْنِ لِلْآثَارِ فَمِنْهُ مَا رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ نَصِيبَهُ فِي الْمَمْلُوكِ: إنْ كَانَ غَنِيًّا ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا يَسْعَى فِي حِصَّةِ الْآخَرِ» وَهَكَذَا رَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ وَعُمَرَ بْنِ شُهَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -: «أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ جُهَيْنَةَ كَانَ بَيْنَهُمَا عَبْدٌ فَأَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا فَرَفَعَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضَمَّنَهُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ، وَحَبَسَهُ حَتَّى بَاعَ غَنِيمَةً لَهُ فِي ذَلِكَ»، وَذَكَرَ الْحَسَنُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْعَبْدِ بَيْنَ اثْنَيْنِ يُعْتِقُهُ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَضْمَنُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ إنْ كَانَ غَنِيًّا، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا يَسْعَى الْعَبْدُ فِي النِّصْفِ لِصَاحِبِهِ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ وَلِإِخْوَةٍ لَهُ صِغَارٍ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ يُسْتَأْنَى بِالصِّغَارِ حَتَّى يُدْرِكُوا فَإِنْ شَاءُوا أَعْتَقُوا، وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الْقِيمَةَ فَلِهَذِهِ الْآثَارِ قُلْنَا بِوُجُوبِ الضَّمَانِ فِي حَالَةِ الْيَسَارِ دُونَ الْعُسْرَةِ، وَلَكِنَّ الْمُعْتَبَرَ يَسَارُ الْيُسْرِ، لَا يَسَارُ الْغِنَى حَتَّى إذَا كَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ قَدْرُ قِيمَةِ الْمَمْلُوكِ - فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ كَانَتْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي حَدِيثِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ: قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ إنْ كَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ ذَلِكَ»، وَلِأَنَّهُ قَصَدَ التَّقَرُّبَ، وَالصِّلَةَ بِإِعْتَاقِ نَصِيبِهِ وَتَمَامُ ذَلِكَ بِعِتْقِ مَا بَقِيَ فَإِنْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ إتْمَامِهِ بِمِلْكِهِ مِقْدَارَ مَا يُؤَدِّيه إلَى شَرِيكِهِ كَانَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ اخْتِلَافَ هَذَا الضَّمَانِ بِالْيَسَارِ، وَالْإِعْسَارِ لِتَحْقِيقِ مَعْنَى النَّظَرِ لَلشَّرِيكِ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَسْعَى الْعَبْدَ يَتَأَخَّرُ وُصُولُ حَقِّهِ إلَيْهِ، وَإِذَا ضَمَّنَ شَرِيكَهُ يَتَوَصَّلُ إلَى مَالِيَّةِ نَصِيبِهِ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا إذَا كَانَ مُوسِرًا لَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ قِيمَةَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا خِيَار لِلسَّاكِتِ، وَإِنَّمَا لَهُ تَضْمِينُ الشَّرِيكِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَاسْتِسْعَاءُ الْعَبْدِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا أَخْذًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَبِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ.
وَلِهَذَا كَانَ الْوَلَاءُ عِنْدَهُمَا كُلُّهُ لِلْمُعْتِقِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى إلَّا فِي حَرْفٍ، وَاحِدٍ يَقُولُ إذَا سَعَى الْعَبْدُ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُعْتِقِ إذَا أَيْسَرَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَلْزَمَهُ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute