للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَصْلِ، وَمَا اكْتَسَبَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَهُوَ تَرِكَةُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ اكْتَسَبَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ يَرْجِعُ فِيهِ السَّاكِتُ، أَوْ الْمُعْتِقُ إذَا ضَمِنَ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ مِيرَاثٌ لِلْمُعْتَقِ؛ لِأَنَّهُ بِالضَّمَانِ مَلَكَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ فَكَانَ الْوَلَاءُ فِي الْكُلِّ لَهُ.

وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: هَذَا مِمَّا اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَهُوَ بَيْنَنَا، وَقَالَ الْآخَرُ: اكْتَسَبَ بَعْدَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا اكْتَسَبَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ حَادِثٌ فَيُحَالُ بِحُدُوثِهِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ، وَمَنْ ادَّعَى فِيهِ تَارِيخًا سَابِقًا لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ، وَالْمُعْتِقُ مُوسِرٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَيِّتٌ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ فِي الْحَالِ لِيُسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى قِيمَتِهِ فِيمَا مَضَى، فَيَتَعَيَّنُ ظَاهِرُ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ، وَالسَّاكِتُ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ زِيَادَةً، وَالْمُعْتِقُ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا، وَلَا كَسْبَ لِلْعَبْدِ فَنِصْفُ الْقِيمَةِ دَيْنٌ لِلسَّاكِتِ عَلَى الْعَبْدِ إنْ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ يُسْتَوْفَى مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَلَيْسَ هَذَا بِأَوَّلِ مَدِينٍ هَلَكَ مُفْلِسًا، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ حَيًّا فَصَالَحَهُ السَّاكِتُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْجَبَ عَلَيْهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ فَهُوَ بِالصُّلْحِ أَسْقَطَ بَعْضَ حَقِّهِ، وَاسْتَوْفَى الْبَعْضَ، وَذَلِكَ يَسْتَقِيمُ كَمَا فِي الْكِتَابَةِ، وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ بِذَهَبٍ، أَوْ وَرِقٍ، فَالْفَضْلُ بَاطِلٌ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْوَاجِبَ لَهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ شَرْعًا فَالصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ جِنْسِهِ يَكُونُ رِبًا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَإِنْ بَقِيَ لَهُ الْمِلْكُ فِي نَصِيبِهِ، وَلَكِنَّ الْعَبْدَ اسْتَحَقَّ الْعِتْقَ عِنْدَ أَدَاءِ نِصْفِ الْقِيمَةِ شَرْعًا، فَلَا يُمْكِنُ إبْطَالُ ذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقِ بِالصُّلْحِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ.

وَكَذَلِكَ إنْ صَالَحَ الْمُعْتِقُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ فَالْفَضْلُ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ قَبْلَ الْعِتْقِ يَتَقَدَّرُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ فَالصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ يَكُونُ رِبًا، ثُمَّ هَذَا عَلَى أَصْلِهِمَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْمَغْصُوبِ الْهَالِكِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا فَكَذَلِكَ هُنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُفَرِّقُ وَيَقُولُ: هُنَاكَ الْمَغْصُوبُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَلَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ تَمْلِيكَهُ مِنْ الْغَاصِبِ حَتَّى إنَّ لَهُ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِنْ الضَّمَانِ لِيَبْقَى هَالِكًا عَلَى مِلْكِهِ فَإِذَا صَالَحَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ بِمُقَابَلَةِ مِلْكِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ شَرْعًا فَلَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ الرِّبَا، وَهُنَا السَّاكِتُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ اسْتِبْقَاءِ نَصِيبِهِ عَلَى مِلْكِهِ وَلَكِنْ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ إزَالَتَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ إمَّا سِعَايَةً عَلَى الْعَبْدِ، أَوْ ضَمَانًا يَسْتَوْفِيَهُ مِنْ الشَّرِيكِ فَإِذَا صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ كَانَ فِي هَذَا الصُّلْحِ إبْطَالُ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ شَرْعًا تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْمُعْتِقَ يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا يَضْمَنُ فَلَوْ صَحَّحْنَا هَذَا الصُّلْحَ رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ بِالزِّيَادَةِ وَكَمَا لَيْسَ لِلسَّاكِتِ أَنْ يُلْزِمَ الْعَبْدَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ بِالصُّلْحِ فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ مَنْ يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ.

وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>