عَرُوضٍ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ الرِّبَا لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَلَى الذَّهَبِ، أَوْ الْوَرِقِ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ هُنَاكَ أَيْضًا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ بِقَدْرِ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، فَأَمَّا مِقْدَارُ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ عَفْوٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فَلَا يَتَيَقَّنُ بِالزِّيَادَةِ.
(قَالَ)، وَإِنْ صَالَحَ الْعَبْدُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ إلَى أَجَلٍ فَهُوَ جَائِزٌ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ قَالَ عِيسَى: هَذَا غَلَطٌ فَإِنَّهُ اسْتَحَقَّ السِّعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ، وَهُوَ نِصْفُ الْقِيمَةِ فَإِذَا صَالَحَ عَلَى حَيَوَانٍ كَانَ ذَلِكَ بَدَلًا عَنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ الْمُسْتَحَقِّ لَهُ، وَلَا يَثْبُتُ الْحَيَوَانُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَنْ مَا هُوَ مَالٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ الْمُعْتِقُ عَلَى الْحَيَوَانِ فِي الذِّمَّةِ لَا يَجُوزُ فَكَذَلِكَ إذَا صَالَحَ الْعَبْدُ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ السَّاكِتِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَإِذَا صَالَحَ عَلَى حَيَوَانٍ إلَى أَجَلٍ فَكَأَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الصُّلْحِ إبْطَالُ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ لِلْعَبْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ الْمُعْتِقُ عَلَى الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ يَمْلِكُ نَصِيبَهُ بِمَا يَصِحُّ الْعِتْقُ عَلَيْهِ، وَالْحَيَوَانُ يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَنْ الْعِتْقِ.
وَإِذَا أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا، وَهُوَ مُعْسِرٌ ثُمَّ أَيْسَرَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْيَسَارِ فِي الْعِتْقِ تُعْتَبَرُ لِإِيجَابِ الضَّمَانِ فَإِذَا انْعَدَمَ، وَقْتَ الْإِعْتَاقِ تَقَرَّرَ الْعِتْقُ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ فَلَا يَصِيرُ مُوجِبًا بَعْدَ ذَلِكَ كَمَنْ قَطَعَ يَدَ مُرْتَدٍّ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ
وَإِنْ قَالَ الْمُعْتِقُ أَعْتَقْت، وَأَنَا مُعْسِرٌ وَقَالَ الشَّرِيكُ بَلْ أَعْتَقْت، وَأَنْتَ مُوسِرٌ نُظِرَ إلَى حَالِهِ يَوْمَ ظَهَرَ الْعِتْقُ إمَّا؛ لِأَنَّهُ كَالْمُنْشِئِ لِلْعِتْقِ فِي الْحَالِ، أَوْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِيمَا مَضَى يَحْكُمُ الْحَالُ فَإِذَا كَانَ الْحَالُ مُوسِرًا فَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِمَنْ يَدَّعِي الْيَسَارَ فِيمَا مَضَى، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فِي الْحَالِ فَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِمَنْ يَدَّعِي الْعُسْرَةَ فِيمَا مَضَى، وَهُوَ كَشُرْبِ الرَّحَا مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ إذَا اخْتَلَفَا فِي جَرَيَانِ الْمَاءِ فِي الْمُدَّةِ يَحْكُمُ الْحَالُ فَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ كَانَ سَابِقًا مِنْهُ فِي مُدَّةٍ قَدْ يَخْتَلِفُ حَالُهُ فِيهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ فِي إنْكَارِ يَسَارِهِ؛ وَلِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْمَعْنَى الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ فَهُوَ كَإِنْكَارِهِ أَصْلَ الْإِعْتَاقِ.
(قَالَ) وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا يَوْمَ أَعْتَقَهُ فَاخْتَارَ الشَّرِيكُ ضَمَانَهُ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُبَرِّئَهُ، وَيَسْتَسْعِيَ الْغُلَامَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَوْ قَضَى الْقَاضِي لَهُ بِالضَّمَانِ، أَوْ رَضِيَ بِهِ الْمُعْتِقُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْغُلَامَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَهُ ذَلِكَ.
قِيلَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مُطْلَقًا مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ التَّفْصِيلِ وَقِيلَ بَلْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُخْبِرَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَالْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ إذَا اخْتَارَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ تَضْمِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute