أَحَدِهِمَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ التَّضْمِينَ يَصِيرُ مُمَلَّكًا نَصِيبَهُ مِنْ الْمُعْتِقِ حَتَّى يَكُونَ، وَلَاؤُهُ لَهُ وَالْوَلَاءُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَلَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَمِنْ ضَرُورَةِ تَمْلِيكِهِ مِنْهُ إسْقَاطُ حَقِّهِ فِي السِّعَايَةِ قِبَلَ الْعَبْدِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَضَاءِ، أَوْ الرِّضَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُسْتَحَقًّا شَرْعًا كَالتَّمْلِيكِ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَحَقُّهُ فِي الضَّمَانِ لَا يَتَقَرَّرُ مَا لَمْ يَتِمَّ التَّمْلِيكُ، وَسُقُوطُ حَقِّهِ فِي الِاسْتِسْعَاءِ بِنَاءً عَلَى تَقَرُّرِ حَقِّهِ فِي الضَّمَانِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: هَكَذَا يَنْبَغِي فِي الْغَاصِبِ، وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا فَقَبِلَ الْقَضَاءَ، أَوْ الرِّضَا مِمَّنْ اخْتَارَ ضَمَانَهُ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فَيُضَمِّنَهُ الْآخَرَ، فَأَمَّا إذَا اخْتَارَ اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الشَّرِيكَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكُ أَحَدٍ بَلْ فِيهِ تَقْرِيرٌ لِمِلْكِهِ، وَإِبْرَاءٌ لِلْمُعْتِقِ عَنْ الضَّمَانِ، وَذَلِكَ يَتِمُّ بِهِ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي أَنْ يَعْتِقَ نَصِيبَهُ
وَلَوْ أَنَّ الْمُعْتِقَ رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ الضَّمَانِ ثُمَّ أَحَالَ السَّاكِتَ عَلَيْهِ وَوَكَّلَهُ بِقَبْضِ السِّعَايَةِ مِنْهُ اقْتِضَاءً مِنْ حَقِّهِ كَانَ جَائِزًا وَالْوِلَايَةُ لِلْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ لِلْمُعْتِقِ وَالْمَوْلَى إذَا أَحَالَ غَرِيمًا لَهُ بِدَيْنِهِ عَلَى مُكَاتَبِهِ لِيَقْبِضَهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ كَانَ صَحِيحًا، وَكَانَ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ يَقْبِضُ لَهُ أَوَّلًا ثُمَّ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا حَتَّى جَرَحَهُ إنْسَانٌ كَانَ الْأَرْشُ عَلَيْهِ لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ السِّعَايَةِ إمَّا لِلسَّاكِتِ أَوْ لِلْمُعْتِقِ.
وَمَنْ جَنَى عَلَى مُكَاتَبِهِ، أَوْ عَلَى مُكَاتَبِ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ الْأَرْشُ يَقْبِضُهُ فَيَسْتَعِينُ بِهِ فِي سِعَايَتِهِ، وَلَا تَكُونُ جِنَايَتُهُ اخْتِيَارًا مِنْهُ لِلسِّعَايَةِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ جِنَايَتِهِ لَا يَخْتَلِفُ بِالِاسْتِسْعَاءِ، أَوْ تَضْمِينِ الشَّرِيكِ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِ السِّعَايَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اغْتَصَبَ مِنْهُ مَالًا فِيهِ، وَفَاءً بِنِصْفِ قِيمَتِهِ، أَوْ أَقْرَضَ الْعَبْدَ، أَوْ بَايَعَهُ كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ لَهُ، أَوْ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ لَا يَخْتَلِفُ بِالِاسْتِسْعَاءِ، وَالتَّضْمِينِ
وَلَوْ أَعْتَقَ جُزْءًا مِنْ عَبْدِهِ، أَوْ شِقْصًا مِنْهُ، أَوْ بَعْضَهُ فَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ كُلُّهُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْبَيَانُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا سُمِّيَ يُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ مِنْهُ فَأَيُّ مِقْدَارِ عُنِيَ مِنْهُ يُعْتَقُ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَيَسْتَسْعِيهِ فِيمَا بَقِيَ، وَإِنْ أَعْتَقَ سَهْمًا مِنْهُ فَالسَّهْمُ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: السُّدُسُ كَمَا قَالَ فِي الْوَصِيَّةِ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْإِقْرَارِ فَيَسْتَسْعِيَهُ فِي خَمْسَةِ أَسْدَاسٍ.
وَإِذَا أَعْتَقَ أَمَةً بَيْنَهُ، وَبَيْنَ آخَرَ ثُمَّ وَلَدَتْ فَلِلشَّرِيكِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ يَوْمَ أَعْتَقَ وَلَا يُضَمِّنَهُ شَيْئًا مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ مَا صَنَعَ فِي الْوَلَدِ شَيْئًا؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ حَقَّ الشَّرِيكِ فِي الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُكَاتَبَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute