للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَبَرَّأَ مِنْ السِّعَايَةِ فَإِنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ عِنْدَهُ يَمْنَعُ وُجُوبَ السِّعَايَةِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا يَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِلْمُوسِرِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي السِّعَايَةَ عَلَيْهِ، وَلَا يَسْعَى لِلْمُعْسِرِ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَرَّأُ مِنْ السِّعَايَةِ، وَيَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى شَرِيكِهِ فَعَلَيْهِ إثْبَاتُهُ بِالْحُجَّةِ.

رَجُلٌ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَأَمْرُ الْعَبْدِ مَوْقُوفٌ فِي جِنَايَتِهِ، وَشَهَادَتِهِ، وَنِكَاحِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ، وَهَبَهُ مِنْ إنْسَانٍ فِي مَرَضِهِ فَإِنَّ الْهِبَةَ تَكُونُ صَحِيحَةً حَتَّى لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً حَلَّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَطْؤُهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ نُفُوذِهِ فَهُوَ نَافِذٌ مِنْ الْمَرِيضِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي الْحَالِ، وَالْهِبَةُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ، وَكُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ نُفُوذِهِ يَتَوَقَّفُ مِنْ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَبْرَأَ فَيَكُونَ مُتَصَرِّفًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ، أَوْ يَمُوتَ فَيَكُونَ مُتَصَرِّفًا فِي حَقِّ وَرَثَتِهِ، وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْوَرَثَةِ بِالْإِبْطَالِ بَعْدَ النُّفُوذِ؛ لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ التَّصَرُّفِ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ فَيَدْفَعُ الضَّرَرَ عَنْهُمْ يَتَوَقَّفُ حُكْمُ التَّصَرُّفِ عَلَى مَا يَتَبَيَّنُ فِي الثَّانِي، وَالْعِتْقُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ فَيُوقَفُ مِنْهُ حَتَّى إذَا بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ نَافِذًا، وَأَنَّ فِي الْجِنَايَةِ، وَالشَّهَادَةِ كَحَالِ الْحُرِّ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ، وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَاهُ فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ، وَصِيَّةٌ لَا تَنْفُذُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ، وَمَادَامَ يَسْعَى فَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ سِعَايَتَهُ فِي بَدَلِ رَقَبَتِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ يَكُونُ كَالْمُكَاتَبِ مَادَامَ يَسْعَى بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ يُعْتِقُهُ الرَّاهِنُ، وَهُوَ مُعْسِرٌ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ يَسْعَى فِي الدَّيْنِ إلَّا أَنَّ السِّعَايَةَ هُنَاكَ لَيْسَ فِي بَدَلِ الرَّقَبَةِ بَلْ فِي الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ عَلَى الرَّاهِنِ، وَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا أَيْسَرَ فَلَا يَمْنَعُ سَلَامَةَ الرَّقَبَةِ لَهُ، وَهُنَا السِّعَايَةُ فِي بَدَلِ الرَّقَبَةِ فَلَا تَسْلَمُ لَهُ رَقَبَتُهُ مَا لَمْ يُؤَدِّهَا.

وَإِذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ وَهُوَ مُوسِرٌ لَمْ يَضْمَنْ حِصَّةَ شَرِيكِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَا هُوَ ضَامِنٌ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ تُسْتَوْفَى مِنْ تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ الْإِتْلَافِ، وَالْإِفْسَادِ فَإِذَا تَقَرَّرَ سَبَبُهُ مِنْ الْمَرِيضِ كَانَ هُوَ، وَالصَّحِيحُ سَوَاءٌ، كَضَمَانِ الْمَغْصُوبِ، وَالْمُتْلَفَاتِ، وَهَذَا ضَمَانُ التَّمَلُّكِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الصَّحِيحُ، وَالْمَرِيضُ كَالضَّمَانِ بِالِاسْتِيلَادِ، وَالْحَجْرُ بِسَبَبِ الْمَرَضِ لَا يَكُونُ أَعْلَى مِنْ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الرِّقِّ ثُمَّ الْمُكَاتَبُ لَوْ كَاتَبَ نَصِيبَهُ كَانَ ضَامِنًا لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ فَالْمَرِيضُ أَوْلَى.

وَحُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ مِنْ قَبْلُ: أَنَّ الضَّمَانَ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِ الْوَرَثَةِ يَعْنِي أَنَّ تَرِكَتَهُ تَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ بِالْمَوْتِ فَلَوْ اسْتَوْفَى ضَمَانَ الْعِتْقِ إنَّمَا يَسْتَوْفِي مِنْ مَالِ الْوَارِثِ

<<  <  ج: ص:  >  >>