الْيَوْمُ، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: حَنِثَ صَاحِبِي فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يَسْقُطُ نِصْفُ السِّعَايَةِ عَنْ الْعَبْدِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ السِّعَايَةِ إذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ شَاهِدٌ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْعِتْقِ فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ السِّعَايَةِ عَنْ الْعَبْدِ إذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ بِسُقُوطِ حَقِّهِ فِي السِّعَايَةِ مَجْهُولٌ، وَالْقَضَاءُ بِالْمَجْهُولِ لَا يَجُوزُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَبْدَانِ سَالِمٌ، وَبُزَيْغٌ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنْ دَخَلْت الْمَسْجِدَ الْيَوْمَ فَسَالِمٌ حُرٌّ، وَقَالَ الْآخَرُ إنْ لَمْ تَدْخُلْ الْيَوْمَ فَبُزَيْغٌ حُرٌّ فَمَضَى الْيَوْمُ، وَلَا يُدْرَى أَدَخَلَ، أَوْ لَمْ يَدْخُلْ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ السِّعَايَةِ عَنْ الْعَبْدِ؛ لِجَهَالَةِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ مِنْهُمَا فَهَذَا مِثْلُهُ، وَهُمَا يَقُولَانِ تَيَقَّنَ الْقَاضِي بِحِنْثِ أَحَدِهِمَا وَسُقُوطِ نِصْفِ السِّعَايَةِ عَنْ الْعَبْدِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِوُجُوبِ مَا تَيَقَّنَ سُقُوطَهُ، كَمَنْ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ سَقَطَ نِصْفُ الصَّدَاقِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهَا مِنْهُنَّ مَجْهُولًا، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمَقْضِيُّ لَهُ مَعْلُومًا جَازَ الْقَضَاءُ بِهِ فَهُنَا أَيْضًا الْمَقْضِيُّ لَهُ بِسُقُوطِ نِصْفِ السِّعَايَةِ عَنْهُ مَعْلُومٌ، وَهُوَ الْعَبْدُ فَيَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ مَجْهُولًا بِخِلَافِ الْعَبْدَيْنِ، فَإِنَّ الْجَهَالَةَ هُنَاكَ فِي الْمَقْضِيِّ لَهُ وَالْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ جَمِيعًا فَيَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يَتَيَقَّنْ بِسُقُوطِ شَيْءٍ مِنْ السِّعَايَةِ عَنْ الْعَبْدِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَا كَاذِبَيْنِ فِي شَهَادَتِهِمَا، وَهُنَا تَيَقَّنَّا بِسُقُوطِ نِصْفِ السِّعَايَةِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْمَوْلَيَيْنِ حَانِثٌ لَا مَحَالَةَ.
ثُمَّ تَخْرِيجُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَبْدَ يَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ مُوسِرَيْنِ كَانَا، أَوْ مُعْسِرَيْنِ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ فِي السِّعَايَةِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَيَسَارُ الْمُعْتِقِ عِنْدَهُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ السِّعَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ فَيَتَوَزَّعُ السَّاقِطُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، وَيَكُونُ الْبَاقِي، وَهُوَ نِصْفُ الْقِيمَةِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ، وَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ لَمْ يَسَعْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى شَرِيكِهِ، وَيَتَبَرَّى مِنْ السِّعَايَةِ فَإِنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ عِنْدَهُ يَمْنَعُ وُجُوبَ السِّعَايَةِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالْآخَرُ مُعْسِرٌ يَسْعَى فِي رُبُعِ قِيمَتِهِ لِلْمُوسِرِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُعْسِرَ يَتَبَرَّأُ مِنْ السِّعَايَةِ، وَالْمُوسِرُ يَقُولُ شَرِيكِي مُعْتِقٌ، وَهُوَ مُعْسِرٌ فَلِي حَقُّ اسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ فَلِهَذَا يَسْعَى لَهُ فِي رُبُعِ قِيمَتِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ لَا يَسْعَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute