ذَلِكَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا لِأَنَّ السِّعَايَةَ وَجَبَتْ لَهُمْ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ الْمُسْتَوْفَى مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ لَهُمْ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمْ الِاخْتِصَاصُ بِشَيْءٍ مِنْ كَسْبِهِ، فَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى مِنْهُ حِصَّتَهُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا مَنْفَعَةً حَتَّى يَأْخُذَا مِنْهُ ثُلُثَيْ مَا اسْتَوْفَاهُ، وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَا أَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَالَ كُلَّهُ بِوَكَالَةٍ مِنْهُمَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا وَيَبْرَأُ الْعَبْدُ مِنْ حِصَّتِهِمَا لِإِقْرَارِهِمَا فِيهِ بِقَبْضٍ مُبْرِئٍ، فَإِنْ قَبَضَ وَكِيلُهُمَا فِي بَرَاءَةِ الْمَدْيُونِ كَقَبْضِهِمَا وَيَسْتَوْفِي الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ حِصَّتَهُ مِنْ الْعَبْدِ وَلَا يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ الشَّاهِدَانِ لِأَنَّهُمَا أَسْقَطَا حَقَّهُمَا بِالشَّهَادَةِ السَّابِقَةِ وَلِأَنَّهُمَا يَزْعُمَانِ أَنَّهُ ظَالِمٌ فِي هَذَا الِاسْتِيفَاءِ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ وَلَا لَهُمَا وَإِنْ شَهِدَا بِدَيْنٍ لِهَذَا الْعَبْدِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ عَبْدِهِمَا مَا دَامَ يَسْعَى
وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنَّ شَرِيكَهُ الْغَائِبَ أَعْتَقَ حِصَّتَهُ مِنْ هَذَا الْعَبْدِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَيُقْضَى بِعِتْقِهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ فَيَنْتَصِبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ وَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ يَشْهَدَانِ عَلَى الْحَاضِرِ بِعِتْقِ نَصِيبِهِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُ يَتَجَزَّأُ فَإِنَّمَا يَشْهَدَانِ بِعِتْقِ نَصِيبِ الْغَائِبِ خَاصَّةً وَلَيْسَ عَنْهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ بِالشَّهَادَةِ لَا يَجُوزُ وَلَكِنْ يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذَا الْحَاضِرِ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ، وَيُوقَفُ حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يُحَالُ لِأَنَّ هَذِهِ الْحَيْلُولَةُ تَنْبَنِي عَلَى ثُبُوتِ الْعِتْقِ فِي نَصِيبِ الْغَائِبِ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ بِالشَّهَادَةِ بِدُونِ الْقَضَاءِ وَلَكِنْ فِي الِاسْتِحْسَانِ، قَالَ: هُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى الْغَائِبِ بِالْعِتْقِ وَعَلَى الْحَاضِرِ بِقِصَرِ يَدِهِ عَنْهُ لِأَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ لَا يَدَ عَلَيْهِ لِمَوْلَاهُ وَالْحَاضِرُ خَصْمٌ فِي إثْبَاتِ قِصَرِ يَدِهِ عِنْدَهُ فَتُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ فِي هَذَا الْحُكْمِ إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ فَهُوَ نَظِيرُ مَنْ وَكَّلَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ فَأَقَامَ الْعَبْدُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ وَلَكِنْ يُحْكَمُ بِقِصَرِ يَدِ الْوَكِيلِ عَنْهُ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَوْلَى فَتُعَادُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فَكَذَلِكَ هُنَا إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ فَلَا بُدَّ مِنْ إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ لِلْحُكْمِ بِعِتْقِهِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى قَامَتْ عَلَى غَيْرِ خَصْمٍ، فَإِنْ كَانَا غَائِبَيْنِ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَ الْعَبْدَ لَمْ تُقْبَلْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ إلَّا بِخُصُومَةٍ تَقَعُ مِنْ قِبَلِ قَذْفٍ أَوْ جِنَايَةٍ أَوْ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ إذَا قَامَتْ عَلَى أَنَّ الْمَوْلَيَيْنِ أَعْتَقَاهُ أَوْ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَعْتَقَهُ وَاسْتَوْفَى الْآخَرُ السِّعَايَةَ مِنْهُ لِأَنَّ الْخَصْمَ الْحَاضِرَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِ مَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْعَبْدِ إلَّا بِإِثْبَاتِ حُرِّيَّتِهِ وَالْعَبْدُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهِ إلَّا بِإِنْكَارِ حُرِّيَّتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute