قَضَاءً» وَإِنَّمَا انْتَقَلَ مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي؛ لِأَنَّهُ تَشَاءَمَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ فَلَوْ جَازَ الْفَجْرُ الْمَكْتُوبَةُ فِي حَالِ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَمَا أَخَّرَ بَعْدَ الِانْتِبَاهِ وَالْآثَارُ الْمَرْوِيَّةُ فِي النَّهْيِ عَامَّةٌ فِي جِنْسِ الصَّلَوَاتِ وَبِهَا يَثْبُتُ تَخْصِيصُ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْخَصْمُ.
قَالَ (وَلَا يُصَلَّى فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَيْضًا) لِقَوْلِهِ «وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا» فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الدَّفْنَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ وَلَكِنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَيْضًا.
قَالَ (وَلَا يُسْجَدُ فِيهِنَّ لِلتِّلَاوَةِ أَيْضًا)؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ التَّشَبُّهِ بِمَنْ يَعْبُدُ الشَّمْسَ وَالتَّشَبُّهُ يَحْصُلُ بِالسُّجُودِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَعَنْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَلَوْ أَدَّى سَقَطَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَالنَّهْيَ لَيْسَ لِمَعْنًى فِي عَيْنِ السُّجُودِ وَالصَّلَاةِ فَلَا يُمْنَعُ الْجَوَازُ
(إلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّيهَا عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ) لِأَنَّ هَذَا الْوَقْتَ سَبَبٌ لِوُجُوبِهَا حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ فِي هَذَا الْوَقْتِ يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهَا فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَيَكُونُ مَمْنُوعًا مِنْ الْأَدَاءِ وَعَلَى هَذَا لَوْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ فِي خِلَالِ الْعَصْرِ يُتِمُّ الصَّلَاةَ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ فِي خِلَالِ الْفَجْرِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَفْسُدُ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْغُرُوبِ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَقَدْ أَدْرَكَ».
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عِنْدَنَا أَنَّ بِالْغُرُوبِ يَدْخُلُ وَقْتُ الْفَرْضِ فَلَا يَكُونُ مُنَافِيًا لِلْفَرْضِ وَبِالطُّلُوعِ لَا يَدْخُلُ وَقْتُ الْفَرْضِ فَكَانَ مُفْسِدًا لِلْفَرْضِ كَخُرُوجِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ فِي خِلَالِهَا مُفْسِدٌ لِلْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ وَقْتُ مِثْلِهَا، قَالَ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي فِي الْفَرْقِ أَنَّ الطُّلُوعَ بِظُهُورِ حَاجِبِ الشَّمْسِ وَبِهِ لَا تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ بَلْ تَتَحَقَّقُ فَكَانَ مُفْسِدًا لِلْفَرْضِ، وَالْغُرُوبُ بِآخِرِهِ وَبِهِ تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ فَلَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا لِلْعَصْرِ لِهَذَا، وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لِبَيَانِ الْوُجُوبِ بِإِدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْفَجْرَ لَا يَفْسُدُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَكِنَّهُ يَصْبِرُ حَتَّى إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ أَتَمَّ صَلَاتَهُ وَكَأَنَّهُ اسْتَحْسَنَ هَذَا لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا بَعْضَ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ وَلَوْ أَفْسَدْنَاهَا كَانَ مُؤَدِّيًا جَمِيعَ الصَّلَاةِ خَارِجَ الْوَقْتِ وَأَدَاءُ بَعْضِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ أَوْلَى مِنْ أَدَاءِ الْكُلِّ خَارِجَ الْوَقْتِ. وَوَقْتَانِ آخَرَانِ مَا بَعْدَ الْعَصْرِ قَبْلَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ وَمَا بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنَّهُ لَا يُصَلَّى فِيهِمَا شَيْءٌ مِنْ النَّوَافِلِ لِحَدِيثِ «ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ أَنَّ النَّبِيَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute