للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَأَكَّدَ بِحُرِّيَّتِهَا. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهَا مِنْ غَيْرِهِ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا فَكَانَتْ كَالْمَنْكُوحَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَة وَالْمُعْتَدَّةُ مِنْ نِكَاحٍ مَتَى جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفُرْقَةِ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ الزَّوْجِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ النَّفْيَ فَكَذَلِكَ هُنَا وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ كَمَا فِي الْمُعْتَدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ.

وَإِذَا تَزَوَّجَ أَمَةَ رَجُلٍ فَوَلَدَتْ ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَوْ مَلَكَهَا بِسَبَبٍ آخَرَ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ عِنْدَنَا وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَفِي الْمَغْرُورِ إذَا مَلَكَ الْجَارِيَةَ لَهُ وَجْهَانِ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَشَرَطَ لِثُبُوتِ حَقِّ الْعِتْقِ لَهَا أَنْ تَلِدَ مِنْ سَيِّدِهَا وَهَذِهِ وَلَدَتْ مِنْ زَوْجِهَا لَا مِنْ سَيِّدِهَا» وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهَا عَلِقَتْ بِرَقِيقٍ فَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا بِالزِّنَا ثُمَّ مَلَكَهَا، وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ إذَا عَلِقَتْ مِنْ سَيِّدِهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْوَلَدَ يَعْلَقُ حُرَّ الْأَصْلِ مِنْ الْمَاءَيْنِ وَمَاؤُهَا جُزْءٌ مِنْهَا فَثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ لِذَلِكَ الْجُزْءِ يُوجِبُ ثُبُوتَ الْحُرِّيَّةِ لِجَمِيعِهَا. إلَّا أَنَّ اتِّصَالَ الْوَلَدِ بِهَا بِعَرْضِ الِانْفِصَالِ وَجَعْلِ الْوَلَدِ كَشَخْصٍ عَلَى حِدَةٍ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ، فَلِوُجُودِ حَقِيقَةِ الِاتِّصَالِ أَثْبَتْنَا حَقَّ الْعِتْقِ لِمَا بَقِيَ مِنْهَا وَلِكَوْنِهِ بِعَرْضِ الِانْفِصَالِ وَبِمَنْزِلَةِ شَخْصٍ عَلَى حِدَةٍ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ لَا تَثْبُتُ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ لِمَا بَقِيَ مِنْهَا فِي الْحَالِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ إذَا عَلِقَتْ بِرَقِيقٍ، وَحَقُّهَا فِي أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لَيْسَ فِي مَعْنَى حَقِّ الْوَلَدِ فِي الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الِاسْتِيلَادُ بِالزِّنَا فَمِلْكُهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي حَقِّ الْأُمّ، وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ يَقُولُونَ فِي الْمَغْرُورِ أَنَّ الْجَارِيَةَ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إذَا مَلَكَهَا؛ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ بِحُرٍّ وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ أَنَّ مُوجِبَ الِاسْتِيلَادِ ثُبُوتُ حَقِّ الْعِتْقِ لَهَا فَإِذَا حَصَلَ قَبْلَ الْمِلْكِ لَا يَكُونُ مُوجِبًا فِي الْمِلْكِ الَّذِي لَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ كَالتَّدْبِيرِ وَحَقِيقَةِ الْعِتْقِ وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ فِي الْمَغْرُورِ يَقُولُونَ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ.

(وَحُجَّتُنَا) فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مَلَكَهَا وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ فَتَكُونُ أُمَّ وَلَدِهِ كَمَا اسْتَوْلَدَهَا فِي مِلْكِهِ وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ حَقَّ الْعِتْقِ ثَبَتَ لَهَا بِالِاسْتِيلَادِ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَالْمِلْكُ فِي الْمَحَلِّ شَرْطٌ فَإِذَا تَقَرَّرَ السَّبَبُ قَبْلَ الْمِلْكِ تَوَقَّفَ عَلَى وُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ. أَلَا تَرَى أَنَّ فِي حُرِّيَّةِ الْوَلَدِ لَمَّا تَقَرَّرَ السَّبَبُ قَبْلَ الْمِلْكِ وَهُوَ النَّسَبُ تَوَقُّفٌ عَلَى وُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ حَتَّى إذَا مَلَكَهُ يَعْتِقُ فَكَذَلِكَ فِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا تَابِعٌ الْوَلَدَ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ وَالْعِتْقِ قَبْلَ الْمِلْكِ فَإِنَّ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>