وَهَذَا فِي قَوْلِهِ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى مَا هُوَ مُضَافٌ إلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ.
فَإِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يَقُولُونَ: الْمُرَادُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْحَالُ، وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ الِاسْتِقْبَالُ يُقَيَّدُ بِالسِّينِ أَوْ سَوْفَ فَيُقَالُ سَأَمْلِكُهُ أَوْ سَوْفَ أَمْلِكُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ مَا يَسْتَحْدِثُ الْمِلْكَ فِيهِ لَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ تَنَاوَلَهُ هَذَا اللَّفْظُ لَصَارَ مُدَبَّرًا كَالْمَوْجُودِ فِي مِلْكِهِ وَهُمَا يَقُولَانِ عَلَّقَ عِتْقَ مَا يَمْلِكُهُ فَيَتَنَاوَلُ مَا هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَاَلَّذِي اُسْتُحْدِثَ الْمِلْكُ فِيهِ مَمْلُوكٌ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ كَالْمَوْجُودِ فِي مِلْكِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ وَفِي الْوَصِيَّةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ التَّعْيِينُ مِنْ الْمُوصِي عِنْدَ الْإِيصَاءِ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِإِنْسَانٍ يَتَنَاوَلُ هَذَا مَا يَكُونُ مَالَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَهَذَا مِثْلُهُ إلَّا أَنَّ التَّدْبِيرَ إيجَابُ الْعِتْقِ كَمَا قَرَّرْنَا فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِالْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ فَفِي حَقِّ الْمَوْجُودِينَ فِي مِلْكِهِ وُجِدَ الْمِلْكُ فَيَصِحُّ إيجَابُ حَقِّ الْعِتْقِ لَهُمْ وَفِي حَقِّ الَّذِينَ يُسْتَحْدَثُ الْمِلْكُ فِيهِمْ لَمْ يُوجَدْ الْإِيجَابُ فِي الْمِلْكِ وَلَا الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ إنَّمَا وُجِدَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمَوْتِ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُمْ حَقُّ الْعِتْقِ بِنَفْسِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى بَقَاؤُهُمْ فِي مِلْكِهِ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ وَبِاعْتِبَارِ ذَلِكَ يَتَنَاوَلُهُمْ كَلَامُهُ فَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُمْ وَإِذَا لَمْ يَبِعْهُمْ حَتَّى مَاتَ فَقَدْ تَنَاوَلَتْهُمْ وَصِيَّتُهُ فَيَعْتِقُونَ مِنْ الثُّلُثِ لِهَذَا.
(قَالَ) وَلِلْمَوْلَى أَنْ يُؤَاجِرَ الْمُدَبَّرَةَ وَيَسْتَغِلَّهَا وَيَطَأَهَا وَيُزَوِّجَهَا وَمَهْرُهَا لَهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُمَا بَاقِيَتَانِ عَلَى مِلْكِهِ بَعْدَ مَا ثَبَتَ لَهُمَا حَقُّ الْعِتْقِ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ الْمُبْطِلِ لِحَقِّهِمَا دُونَ التَّصَرُّفِ الَّذِي لَا يُبْطِلُ حَقَّهُمَا كَمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ رَجُلٍ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُبْطِلٍ لِحَقِّ الزَّوْجِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَلَا يُزَوِّجُهَا مِنْ غَيْرِهِ فَهُنَا الْهِبَةُ وَالْبَيْعُ مُبْطِلٌ لِحَقِّهِمَا فَيُمْنَعُ الْمَوْلَى مِنْ ذَلِكَ، وَسَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ لَيْسَ بِمُبْطِلٍ لِحَقِّهِمَا فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُمَا؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْمَالِيَّةِ وَلَا مَالِيَّةَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَاسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ مَالِيَّةِ الْمُدَبَّرِ غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ مِنْ الْمَالِيَّةِ يَكُونُ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِلْبَيْعِ.
(قَالَ) وَجِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ عَلَى مَوْلَاهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ مُنِعَ الدَّفْعُ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي جِنَايَتِهِ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا بِمُبَاشَرَةٍ وَبَعْضُهَا يَتَسَبَّبُ؛ لِأَنَّهُ مَا مَنَعَ إلَّا رَقَبَةً وَاحِدَةً، وَأَمَّا غُرْمُ الْمُسْتَهْلِكَاتِ فَدَيْنٌ فِي رَقَبَتِهِ وَيَسْعَى فِيهِ وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَهُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَفِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُدَبَّرِ مَا فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَمَالِيكِ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ بَعْدَ التَّدْبِيرِ.
(قَالَ) وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ قَالَ قَدْ دَبَّرْتُكَ فَهُوَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ صَرِيحٌ فَلَا فَرْقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute