بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَهُ بِصِيغَةِ الْإِنْشَاءِ أَوْ بِصِيغَةِ الْوَصْفِ.
(قَالَ) أَرَأَيْت لَوْ كَانَ أَعْجَمِيًّا لَا يُفْصِحُ بِالتَّدْبِيرِ فَقَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ إمَّا يَكُونُ مُدَبَّرًا فَهَذِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي حُكْمِ الْمَعْلُومِ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَنْتَ مُدَبَّرٌ بَعْدَ مَوْتِي فَهُوَ مُدَبَّرٌ فِي الْحَالِ، وَجُعِلَ هَذَا وَقَوْلُهُ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي سَوَاءٌ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ هَذَا اللَّفْظِ لِهَذَا الْمَقْصُودِ.
(قَالَ) وَتَدْبِيرُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بَاطِلٌ أَطْلَقَا أَوْ أَضَافَا إلَى مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِعْتَاقِ مِنْهُمَا بَاطِلَةٌ فَإِيجَابُ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ بِالْقَوْلِ كَذَلِكَ وَلِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَوْلٌ أَنَّ تَدْبِيرَ الصَّبِيِّ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ عِنْدَهُ وَصِيَّةٌ وَهُوَ يُجَوِّزُ وَصِيَّةَ الصَّبِيِّ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ؛ لِأَنَّ نُفُوذَهُ يَكُونُ بَعْدَ وُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ لَهُ فِيهِ وَفِي حَدِيثِ شُرَيْحٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ جَوَّزَ وَصِيَّةَ غُلَامٍ يَفَعٍ وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبَرُّعٌ وَقَوْلُ الصَّبِيِّ فِي التَّبَرُّعَاتِ هَدَرٌ وَقَدْ تَنَاقَضَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي هَذَا فَإِنَّهُ لَا يُصَحِّحُ إسْلَامَهُ وَقَبُولَهُ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ مَحْضُ مَنْفَعَةٍ لَهُ فَأَمَّا السَّكْرَانُ وَالْمُكْرَهُ فَتَدْبِيرُهُمَا جَائِزٌ عِنْدَنَا كَإِعْتَاقِهِمَا وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَإِعْتَاقُهُ وَتَدْبِيرُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ نُفُوذَهُمَا يَسْتَدْعِي حَقِيقَةَ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ فِي كَسْبِهِ.
(قَالَ) وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ أَوْ الْمُكَاتَبُ إذَا عَتَقْتُ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ بَعْدَ مَا أُعْتَقُ فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ عَتَقَ فَمَلَكَ مَمْلُوكًا فَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ لَهُ قَوْلٌ مُلْزِمٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَقَدْ صَرَّحَ بِإِضَافَةِ الْعِتْقِ إلَى مَا بَعْدَ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ لَهُ فَتَصِحُّ إضَافَتُهُ وَيَكُونُ عِنْدَ وُجُودِ الْمِلْكِ كَالْمُنْجِزِ لَهُ.
(قَالَ) وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا اُسْتُقْبِلَ أَوْ إلَى خَمْسِينَ سَنَةٍ فَهُوَ حُرٌّ فَعَتَقَ ثُمَّ مَلَكَ مَمْلُوكًا لَمْ يَعْتِقْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ نَوْعَيْ مِلْكٍ: مِلْكٌ لَا يَقْبَلُ الْعِتْقَ وَهُوَ حَالَ قِيَامِ الْكِتَابَةِ، وَمِلْكٌ يَقْبَلُ الْعِتْقَ وَهُوَ مَا بَعْدَ عِتْقِهِ فَيَنْصَرِفُ مُطْلَقُ لَفْظِهِ إلَيْهِمَا وَيَصِيرُ كَالْمُنْجِزِ عِنْدَ وُجُودِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَقَاسَا هَذَا بِالْحُرِّ إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيه فَهُوَ حُرٌّ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا يَشْتَرِيه لِنَفْسِهِ لَا مَا يَشْتَرِيه لِغَيْرِهِ حَتَّى يَعْتِقَ مَا يَشْتَرِيه لِنَفْسِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ مِلْكُهُ فِي حَالِ قِيَامِ الْكِتَابَةِ مِلْكُ مَجَازٍ وَبَعْدَ الْعِتْقِ حَقِيقَةٍ وَلَا يُرَادُ بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ مُسْتَعَارٌ وَالْحَقِيقَةُ غَيْرُ مُسْتَعَارَةٍ، وَكَمَا لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ الْوَاحِدُ عَلَى إنْسَانٍ مِلْكًا وَعَارِيَّةً فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ وَالْمَجَازُ هُنَا مُرَادٌ بِالِاتِّفَاقِ، حَتَّى لَوْ قَالَ إذَا مَلَكْت مَمْلُوكًا فِيمَا اُسْتُقْبِلَ فَمَلَكَ فِي حَالَ قِيَامِ الْكِتَابَةِ يَنْحَلُّ يَمِينُهُ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute