سَوَاءً كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعِشَاءِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ أَرْبَعًا لَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ» وَلِأَنَّ فِي الْأَرْبَعِ بِتَسْلِيمَةٍ مَعْنَى الْوَصْلِ وَالتَّتَابُعِ فِي الْعِبَادَةِ فَهُوَ أَفْضَلُ وَالتَّطَوُّعُ نَظِيرُ الْفَرَائِضِ وَالْفَرْضُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ الْعِشَاءُ وَهِيَ أَرْبَعٌ بِتَسْلِيمَةٍ فَكَذَلِكَ النَّفَلُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ «فَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَسَلِّمْ» مَعْنَاهُ فَتَشَهَّدْ وَالتَّشَهُّدُ يُسَمَّى سَلَامًا لِمَا فِيهِ مِنْ السَّلَامِ وَصَلَاةُ التَّرَاوِيحِ إنَّمَا جَعَلُوهَا رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لِيَكُونَ أَرْوَحَ عَلَى الْبَدَنِ وَمَا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْعَامَّةُ يُبْنَى عَلَى الْيُسْرِ فَأَمَّا الْأَفْضَلُ فَهُوَ أَشَقُّ عَلَى الْبَدَنِ
(وَأَمَّا تَطَوُّعُ النَّهَارِ فَالْأَفْضَلُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ) عِنْدَنَا عَلَى قِيَاسِ الْفَرَائِضِ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوَاظِبُ فِي صَلَاةِ الضُّحَى عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ» وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَفْضَلُ رَكْعَتَانِ بِتَسْلِيمَةٍ لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ وَلِحَدِيثِ عُمَارَةَ بْنِ رُوَيْبَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْتَتِحُ صَلَاةَ الضُّحَى بِرَكْعَتَيْنِ» وَإِنَّمَا بَدَأَ بِمَا هُوَ أَفْضَلُ. وَتَأْوِيلُ الْأَثَرِ الَّذِي جَاءَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةٍ مِثْلِهَا فِي تَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَهَذَا الْأَثَرُ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَبِظَاهِرِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ بِتَسْلِيمَتَيْنِ لِكَيْ لَا يَكُونَ مُصَلِّيًا بَعْدَ صَلَاةٍ مِثْلِهَا وَكَذَلِكَ بَعْدَ الْعِشَاءِ يَتَطَوَّعُ بِرَكْعَتَيْنِ لِهَذَا، وَنَحْنُ نَقُولُ: الْمُرَادُ صِفَةُ الْقِرَاءَةِ لَا عَدَدُ الرَّكَعَاتِ فَإِنَّ فِي الْفَرْضِ الْقِرَاءَةَ فِي رَكْعَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ وَفِي النَّفْلِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ التَّطَوُّعَ قَبْلَ الْفَجْرِ رَكْعَتَانِ وَالْمُخَالَفَةُ فِي صِفَةِ الْقِرَاءَةِ بِالتَّطْوِيلِ فِي الْفَرْضِ دُونَ السُّنَّةِ لَا فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ
قَالَ (رَجُلٌ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ يَنْوِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ تَكَلَّمَ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ) فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْ التَّطَوُّعِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّ فَسَادَ الشَّفْعِ الثَّانِي لَا يُوجِبُ فَسَادَ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الشَّفْعِ الثَّانِي مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْأَوَّلِ وَبِدُونِ الشُّرُوعِ أَوْ النَّذْرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَرْبَعُ وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَإِنْ نَوَاهَا وَفِي رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ أَبِي الْأَزْهَرِ يَلْزَمُهُ مَا نَوَى وَإِنْ نَوَى مِائَةَ رَكْعَةٍ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ كَالنَّذْرِ فَنِيَّتُهُ عِنْدَ الشُّرُوعِ كَتَسْمِيَتِهِ عِنْدَ النَّذْرِ فَيَلْزَمُهُ مَا نَوَى. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ التَّطَوُّعَ نَظِيرُ الْفَرَائِضِ وَأَرْبَعٌ بِالتَّسْلِيمَةِ مَشْرُوعٌ فِي الْفَرَائِضِ فَيَلْزَمُهُ بِالشُّرُوعِ فِي التَّطَوُّعِ بِخِلَافِ مَا زَادَ عَلَيْهِ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا اخْتَارُوا قَوْلَهُ فِيمَا يُؤَدَّى مِنْ الْأَرْبَعِ بِتَسْلِيمَةٍ كَالْأَرْبَعِ قَبْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute