للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِلْإِرْفَاقِ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِقَّ مَا هُوَ مَحْضُ الْإِرْفَاقِ وَهُوَ حَطُّ بَعْضِ الْبَدَلِ (وَحُجَّتُنَا) فِيهِ أَنَّ الْعَقْدَ يُوجِبُ الْبَدَلَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِإِسْقَاطِ الْبَدَلِ إذْ الشَّيْءُ لَا يَتَضَمَّنُ ضِدَّهُ وَالْقِيَاسُ لَنَا فَإِنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ حَطُّ شَيْءٍ مِنْ الْبَدَلِ كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ إذْ يُعْتَبَرُ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ بِالْآخَرِ فَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ النَّدْبُ دُونَ الْحَتْمِ فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ {فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: ٣٣] فَذَلِكَ نَدْبٌ وَلَيْسَ بِحَتْمٍ إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِ خَيْرًا فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {وَآتُوهُمْ} [النور: ٣٣] لِأَنَّ حُكْمَ الْمَعْطُوفِ حُكْمُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْكَلْبِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلَى الْمُكَاتَبِينَ فَيَكُونُ هَذَا خِطَابًا لِلنَّاسِ بِصَرْفِ الصَّدَقَةِ إلَى الْمُكَاتَبِينَ لِيَسْتَعِينُوا بِذَلِكَ عَلَى أَدَاءِ الْمُكَاتَبَةِ كَمَا قَالَ فِي بَيَانِ مَصَارِفِ الصَّدَقَاتِ وَفِي الرِّقَابِ وَالْمُرَادُ الْمُكَاتَبُونَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ مِنْ مَالِ اللَّهِ وَالْمَالُ الْمُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقًا هُوَ الصَّدَقَةُ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ مُكَاتَبًا لَهُ عَجَزَ فَكَسَرَ مُكَاتَبَتَهُ فَرَدَّهُ فِي الرِّقِّ فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا كَسَرَ نَجْمًا فَلِلْمَوْلَى أَنْ يَفْسَخَ الْكِتَابَةَ وَيَرُدَّهُ فِي الرِّقِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ شَرْطٌ عَقَدَهُ وَذَلِكَ يُثْبِتُ لِلْعَاقِدِ حَقَّ الْفَسْخِ فِي الْعُقُودِ الْمُحْتَمِلَةِ لِلْفَسْخِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ مَا لَمْ يَكْسِرْ نَجْمَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ إذَا اجْتَمَعَ عَلَى الْمُكَاتَبِ نَجْمَانِ فَدَخَلَا رُدَّ فِي الرِّقِّ وَكَانَ هَذَا اسْتِحْسَانٌ مِنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِرْفَاقِ وَفِي رَدِّهِ فِي الرِّقِّ عِنْدَ كَسْرِهِ نَجْمًا وَاحِدًا تَضْيِيقٌ عَلَيْهِ فَلِمَعْنَى التَّوَسُّعِ وَالْإِرْفَاقِ شُرِطَ أَنْ يَتَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ هَذَا إذَا كَانَتْ النُّجُومُ مُسْتَوِيَةً، فَإِنْ كَانَتْ مُتَفَاوِتَةً فَكَسَرَ نَجْمًا وَاحِدًا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ الْأَقَلِّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنْ أَدَاءً عَنْ الْأَكْثَرِ أَعْجَزُ، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَفْسَخَ الْكِتَابَةَ عِنْدَ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْتَاجَ فِيهِ إلَى الْمُرَافَعَةِ إلَى الْقَاضِي فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنَّ الْعَجْزَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْقَضَاءِ فَإِنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ، وَجَعَلَ هَذَا الْعَجْزَ نَظِيرَ عَجْزِ الْعِنِّينِ عَنْ الْوُصُولِ إلَى امْرَأَتِهِ، ثُمَّ الْفُرْقَةُ هُنَاكَ لَا تَكُونُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَلَكِنَّا نَقُولُ الْعَقْدُ تَمَّ بِتَرَاضِيهِمَا وَالْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِلُزُومِ هَذَا الْعَقْدِ إلَّا بِشَرْطٍ فَإِذَا فَاتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الشَّرْطُ يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِهِ لِانْعِدَامِ رِضَاهُ بِهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتَمِدُ تَمَامَ الرِّضَا وَبِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَنْفَرِدُ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>