سَوَاءٌ أَدَّى الْغَائِبُ أَوْ الشَّاهِدُ فَمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَجْزُهُمْ لَا تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ، وَإِذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ وَتَرَكَ وَلَدًا حُرًّا فَهُوَ مَوْلًى لِمَوَالِي الْأُمِّ مَا لَمْ يَخْرُجْ الدَّيْنُ فَيُؤَدِّي الْكِتَابَةَ، أَمَّا بَقَاءُ الْكِتَابَةِ فَلِمَالِهِ الْمُنْتَظَرِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مَالٌ بِاعْتِبَارِ مَالِهِ، وَلَكِنْ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْكِتَابَةَ وَمَا لَمْ يُحْكَمْ بِعِتْقِهِ لَا يَظْهَرُ لِوَلَدِهِ وَلَاءٌ فِي جَانِبِ أَبِيهِ فَيَكُونُ مَوْلًى لِمَوَالِي الْأُمِّ فَإِذَا أُدِّيَتْ ظَهَرَ لَهُ وَلَاءٌ فِي جَانِبِ أَبِيهِ فَيُنَجَّزُ وَلَاؤُهُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ وَلَا يَرْجِعُ مَوَالِي الْأُمِّ بِمَا عَقَلُوا مِنْ جِنَايَتِهِ فِي حَيَاةِ الْمُكَاتَبِ عَلَى مَوَالِي الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ الْأَبِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَلَا يَسْتَنِدُ عِتْقُهُ إلَى أَوَّلِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فَكَانَ مَوَالِي الْأُمِّ عِنْدَ جِنَايَتِهِ مَوَالِيهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ.
فَلِهَذَا لَا يَرْجِعُونَ بِمَا عَقَلُوا عَلَى مَوَالِي الْأَبِ وَيَرْجِعُونَ بِمَا عَقَلُوا مِنْ جِنَايَتِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ قَبْلَ أَدَاءِ كِتَابَتِهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ عِتْقَ الْأَبِ يَسْتَنِدُ إلَى حَالِ حَيَاتِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ وَلَاءَهُ كَانَ لِمَوَالِي الْأَبِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَمَوَالِي الْأُمِّ كَانُوا مُجْبَرِينَ عَلَى الْأَدَاءِ فَيَرْجِعُونَ بِمَا أَدَّوْا كَالْمُلَاعِنِ إذَا كَذَّبَ نَفْسَهُ بَعْدَ مَا جَنَى الْوَلَدُ وَعَقَلَ جِنَايَتَهُ قَوْمُ أُمِّهِ رَجَعُوا بِهِ عَلَى قَوْمِ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ ثُبُوتُ نَسَبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِذَا مَاتَ الْوَلَدُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّيْنِ فَاخْتَصَمَ مَوَالِي الْأَبِ وَمَوَالِي الْأُمِّ فِي مِيرَاثِهِ قُضِيَ بِهِ لِمَوَالِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ وَلَاءٌ فِي جَانِبِ الْأَبِ بَعْدُ، وَإِذَا قُضِيَ بِذَلِكَ بَطَلَتْ الْمُكَاتَبَةُ؛ لِأَنَّ وَلَاءَهُ لِمَوَالِي الْأُمِّ وَقَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَ مَوْتِهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَمِنْ ضَرُورَةِ بُطْلَانِ الْكِتَابَةِ إذْ لَوْ لَمْ تَبْطُلْ لَكَانَ يُؤَدِّي كِتَابَتَهُ وَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ وَلَاءَهُ لِقَوْمِ الْأَبِ فَيَبْطُلُ بِهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إبْطَالِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فَإِبْطَالُ الْكِتَابَةِ الَّتِي اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فِي بَقَائِهَا أَوْلَى مِنْ إبْطَالِ حُكْمِ الْحَاكِمِ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ الْمُبْطِلَ لِلْكِتَابَةِ وَهُوَ عَجْزُهُ عَنْ الْأَدَاءِ بَعْدَ حِلِّ الْمَالِ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ، وَالْمَنْفِيُّ وَهُوَ قُدْرَتُهُ بِخُرُوجِ الدَّيْنِ مَوْهُومٌ وَالظَّاهِرُ إذَا تَأَيَّدَ بِحُكْمِ الْحَاكِم لَا يُعْتَبَرُ الْمَوْهُومُ فِي مُقَابَلَتِهِ، فَإِنْ خَرَجَ الدَّيْنُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ وَلَدٌ وُلِدُوا فِي الْكِتَابَةِ فَقَدْ بَقِيَ النُّجُومُ بِبَقَائِهِمْ فَمَتَى مَا خَرَجَ دَيْنُ الْمُكَاتَبِ أُدِّيَتْ الْمُكَاتَبَةُ وَجَرَّ وَلَاءَ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ مُسْتَنِدًا إلَى حَالِ حَيَاتِهِ وَكَانَ مَا بَقِيَ مِيرَاثًا، وَإِذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَلَدٍ حُرٍّ فَجَاءَ رَجُلٌ بِوَدِيعَةٍ فَقَالَ هَذِهِ لِلْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي مِنْهُ الْمُكَاتَبَةَ وَتَبَيَّنَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ بِمَوْتِهِ عَاجِزًا لَا تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ مَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِفَسْخِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ أَوْ يَتَبَرَّعَ إنْسَانٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute