بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَنْهُ وَهَكَذَا فَسَّرَهُ ابْنُ سِمَاعَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي نَوَادِرِهِ ثُمَّ إقْرَارُ الرَّجُلِ الْوَدِيعَةِ لِلْمُكَاتَبِ صَحِيحٌ فِي حَقِّهِ فَيُؤَدِّي مِنْهُ الْكِتَابَةَ، وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقُ عَلَى جَرِّ الْوَلَاءِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ مَوَالِي الْأُمِّ وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِالْقَصْدِ إلَى إبْطَالِ حَقِّهِمْ فِي جَرِّ وَلَاءِ الْوَلَدِ
(قَالَ) أَرَأَيْت لَوْ قَالَ الْمَوْلَى نَفْسُهُ هَذِهِ وَدِيعَةٌ عِنْدِي لِلْمُكَاتَبِ أَوْ أَقَرَّ لَهُ بِدَيْنٍ مِثْلِ الْكِتَابَةِ أَوْ قَالَ قَدْ كُنْت اسْتَوْفَيْت الْكِتَابَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ أَكَانَ يُصَدَّقُ فِي جَرِّ وَلَاءِ الْوَلَدِ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ غَيْرُهُ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ إنْ تَبَرَّعَ إنْسَانٌ عَنْهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ وَهَذَا لِأَنَّ ذِمَّتَهُ بِالْمَوْتِ تَخْرُجُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا صَالِحًا لِبَدَلِ الْكِتَابَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ خَلَفٍ يَبْقَى بِاعْتِبَارِهِ وَالْخَلَفُ مَالُهُ دُونَ أَمْوَالِ النَّاسِ عَادَةً فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ مَالٌ فَقَدْ عَلِمْنَا بِوُجُودِ الْخَلَفِ، وَإِذَا تَبَرَّعَ إنْسَانٌ بِالْأَدَاءِ فَلَا يَتَبَيَّنُ بِهِ وُجُودُ الْخَلَفِ وَقْتَ مَوْتِهِ فَلِهَذَا لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ فِي حَقِّ مَوَالِي الْأُمِّ وَيُجْعَلُ الْمُقِرُّ الْوَدِيعَةِ كَالْمُتَبَرِّعِ بِالْأَدَاءِ فِي حَقِّهِمْ، وَإِذَا تَرَكَ الْمُكَاتَبُ أُمَّ وَلَدٍ لَيْسَ مَعَهَا وَلَدٌ بِيعَتْ فِي الْمُكَاتَبَةِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ سَعَتْ فِيهَا عَلَى الْأَجَلِ الَّذِي كَانَ لِلْمُكَاتَبِ صَغِيرًا كَانَ وَلَدُهَا أَوْ كَبِيرًا، وَإِنْ كَانَ تَرَكَ مَالًا لَمْ يُؤَخَّرْ إلَى أَجَلِهِ وَصَارَ حَالًّا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى حَالُ أُمِّ الْوَلَدِ بِغَيْرِ الْوَلَدِ كَحَالِهَا مَعَ الْوَلَدِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ حَتَّى يَسْعَى فِيهَا عَلَى الْأَجَلِ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ عِنْدَهُمَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْمُكَاتَبِ بَيْعُ أُمِّ وَلَدِهِ إذَا مَلَكَهَا سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ حَقِّهَا بِاعْتِبَارِ نَسَبِ الْوَلَدِ، وَنَسَبُ الْوَلَدِ ثَابِتٌ مِنْهُ سَوَاءٌ مَلَكَ الْوَلَدَ مَعَهَا أَوْ لَمْ يَمْلِكْ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرَّ إذَا مَلَكَ جَارِيَةً قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ سَوَاءٌ مَلَكَ الْوَلَدَ مَعَهَا أَوْ لَمْ يَمْلِكْ فَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ وَلَمَّا كَانَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ لَا يَخْتَلِفُ حَالُهَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا وَلَدٌ أَوْ لَا يَكُونُ فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا مَلَكَهَا فِي حَالِ حَيَاتِهِ مَعَ الْوَلَدِ يَمْتَنِعُ بَيْعُهَا، وَإِذَا مَلَكَهَا بِدُونِ الْوَلَدِ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّ حَقَّهَا تَابِعٌ لِحَقِّ الْوَلَدِ وَثُبُوتُ التَّبَعِ بِثُبُوتِ الْأَصْلِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْأَصْلُ لَا يَثْبُتُ التَّبَعُ وَهَذَا لِأَنَّ حَقِيقَةَ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لَا يَثْبُتُ لَهَا فِي حَالِ الْكِتَابَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ كَانَتْ هِيَ أَمَةً قِنَّةً لِلْمَوْلَى بِخِلَافِ الْحُرِّ فَإِنَّ حَقِيقَةَ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ يَثْبُتُ لَهَا وَبِدُخُولِهَا فِي مِلْكِ الْمُكَاتَبِ لَا تَصِيرُ دَاخِلَةً فِي كِتَابَتِهِ تَبَعًا بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَعْتِقُ بِعِتْقِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ امْتِنَاعَ الْبَيْعِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِيهَا تَبَعًا لِثُبُوتِهِ فِي الْوَلَدِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ فِي الْوَلَدِ بِأَنْ لَمْ يَمْلِكْ الْوَلَدُ مَعَهَا لَا يَثْبُتُ فِيهَا وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي حَيَاتِهِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute