لَوْ أَدَّى جَمِيعَ الْبَدَلِ فِي حَيَاتِهِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِحِصَّتِهَا مِنْهَا فَكَذَلِكَ إذَا صَارَ مُؤَدَّيَا بِبَدَلِ نَفْسِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ يُقَسَّمُ ذَلِكَ كُلُّهُ بَيْنَ وَرَثَةِ الِابْنِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَرِثُ أَبَوَاهُ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ اسْتَنَدَ إلَى حَالِ حَيَاتِهِ، وَكَذَلِكَ عِتْقُهُمَا لِاتِّحَادِ الْعَقْدِ فِي حَقِّهِمْ (فَإِنْ قِيلَ) فَلِمَاذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى الدِّيَةُ (قُلْنَا) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ اسْتِنَادَ الْحُرِّيَّةِ إلَى حَالِ الْحَيَاةِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهِ وُجُوبُ الدِّيَةِ فَكَمْ مِنْ قَتِيلٍ حُرٍّ لَا تَجِبُ دِيَتُهُ وَلِأَنَّ الِاسْتِنَادَ فِيمَا هُوَ مِنْ حُكْمِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ، وَوُجُوبُ الدِّيَةِ لَيْسَ مِنْ حُكْمِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فِي شَيْءٍ وَلِأَنَّ الْمَوْلَى إنَّمَا يَضْمَنُ جِنَايَتَهُ وَلَا يَسْتَنِدُ الْعِتْقُ إلَى وَقْتِ جِنَايَتِهِ إنَّمَا يَسْتَنِدُ إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ.
وَلَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى أُمَّ وَلَدٍ لِمُكَاتَبِهِ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ وَلَدَهَا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ دَاخِلٌ فِي كِتَابَتِهِ حَتَّى يَعْتِقَ بِعِتْقِهِ فَيَكُونُ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى فَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي كِتَابَتِهِ حَتَّى لَا تَعْتِقَ بِعِتْقِهِ فَلَا تَكُونُ مَمْلُوكَةً لِلْمَوْلَى. تَوْضِيحُهُ أَنَّ فِي إعْتَاقِ الْوَلَدِ تَحْصِيلُ مَقْصُودِ الْمُكَاتَبِ فَأَمَّا فِي إعْتَاقِ أُمِّ الْوَلَدِ تَفْوِيتُ مَقْصُودِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَوْ عَتَقَ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ يَطَؤُهَا وَيَسْتَمْتِعُ بِهَا وَفِي الْعِتْقِ تَفْوِيتُ هَذَا الْمَقْصُودِ عَلَيْهِ فَلَا يَمْلِكُهُ الْمَوْلَى
وَلَوْ مَلَكَ الْمُكَاتَبُ أَبَ مَوْلَاهُ أَوْ ابْنَهُ لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَوْ أَعْتَقَ رَقِيقَ الْمُكَاتَبِ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُمْ فَلَا يَعْتِقُونَ عَلَيْهِ وَلَا يَمْتَنِعُ بَيْعُهُمْ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا إذَا مَلَكَ أَبَ نَفْسِهِ أَوْ ابْنَ نَفْسِهِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ بَيْعُهُمْ؛ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ حَقُّ الْمِلْكِ كَمَا لِلْمُكَاتَبِ، وَلَكِنْ قَالَ الْبَيْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ، وَفِي حُكْمِ التَّصَرُّفِ الْمَوْلَى مِنْ كَسْبِ الْمُكَاتَبِ أَجْنَبِيٌّ، وَالْمُكَاتَبُ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ. تَوْضِيحُهُ أَنَّ عِتْقَ أَبِ الْمُكَاتَبِ وَابْنِهِ مِنْ مَقْصُودِ الْمُكَاتَبِ وَكَسْبِهِ مَحَلٌّ لِمَا هُوَ مِنْ مَقَاصِدِهِ فَكَانَ فِي إدْخَالِهِمْ فِي كِتَابَتِهِ لِيَعْتِقُوا بِعِتْقِهِ مَعْنَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ، وَعِتْقُ أَبِ الْمَوْلَى وَابْنِ الْمَوْلَى لَيْسَ بِمَقْصُودٍ لِلْمُكَاتَبِ فَلَمْ يَكُنْ فِي إدْخَالِهِمْ فِي كِتَابَتِهِ تَحْصِيلُ مَقْصُودِهِ فَلِهَذَا لَا يَتَكَاتَبُونَ عَلَيْهِ، وَإِذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ جِنَايَةً خَطَأً فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ دَفْعَهُ مُتَعَذِّرٌ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ، وَمُوجَبُ الْجِنَايَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الدَّفْعِ عَلَى مَنْ يَكُونُ الْكَسْبُ لَهُ فَالْوَاجِبُ هُوَ الْأَقَلُّ مِنْ الْقِيمَةِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِكَسْبِهِمَا، فَإِنْ جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى بَعْدَ مَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْأَقَلِّ فِي الْجِنَايَةِ الْأُولَى يَلْزَمُهُ بِالْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْجِنَايَةِ الْأُولَى صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute